إن الفيدرالية نمط من أنماط التنظيم السياسي والمؤسساتي للدول، تتحد بموجبه مجموعة من الوحدات سياسية مستقلة في دولة فدرالية واحدة، على أن تتمتع الوحدات السياسية بإستقلالية واسعة في تدبير شؤونها وبهياكل مؤسساتية مستقلة تمامًا عن الحكومة الفدرالية، مع أن العلاقة بين الطرفين يجب أن تبقى محكومة بمبدأ تقاسم السلطة والسيادة.
وفي النظام الفدرالي،تتمتع الوحدات الفيدرالية بصلاحيات كاملة في تدبيرها للشأن المحلي، في حين تؤول للحكومة المركزية السلطات المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع، كما تتولى جميع الشؤون المالية كتحصيل الضرائب ووضع الميزانية الفدرالية، ويكون للوحدات السياسية الفدرالية نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الاقتصادي والإستثماري الذي يتم على أراضيها.
طبعًا، كل شيء في الحياة له إيجابياته وله سلبياته، كذلك الأمر بالنسبة للنظام الفيدرالي، فله الكثير من الميزات، فهو يضمن قدرًا من سهولة التبادل التجاري والإقتصادي بين مكونات الدولة، كما يُتيح الإبداع والتنوع في الممارسة الإدارية بين الوحدات الفدرالية، وهو ما يُنتج في المحصلة نماذج أكثر تطورًا وقادرة على إبتكار أساليب فعالة لتقديم مزيد من الخدمات وبجودة أفضل. كما أنه يقوم على تكريس التعددية والتنوع، وهذا مصدر إثراء للدولة على عدة مستويات منها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والإدارية.كما أنه يضمن إسناد تسيير الشؤون المحلية للوحدات الفدرالية.
أما بالنسبة للسلبيات، لا يخلو النظام الفدرالي من بعض التشوهات، فمثلاً، فإن السلطات الواسعة للحكومات المحلية، تعيق بلورة الرؤية التنموية الشاملة على المستوى الوطني، كما أن التنوع الكبير الذي تُعززه السياسات المحلية يُعسّر صوغ هوية وطنية مع مرجعيات موحدة، وهو ما يَطرح بشكل مزمن إشكالية الأندماج الوطني.
ومن المآخذ الجوهرية على النظام الفدرالي الخلافات بين الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية خاصة عند نشوب إضطرابات، إذ يُثير التداخل بين سلطة وسيادة الحكومة المركزية والصلاحيات الخاصة بالحكومة المحلية إشكالاتٍ قد تتحول إلى مواجهة سياسية بين الجانبين.
وفي بعض الأحيان تنشأ خلافات بين الطرفين حول الضرائب وتوزيعها، وحول استفادة الحكومة المحلية من الإستثمارات المباشرة. وفي هذا الصدد، يمكن الإستشهاد بالنزعة الإنفصالية المتنامية في إقليم كتالونيا بإسبانيا والتي تعود في أصلها إلى إستياء الحكومة المحلية مما تعتبرهُ غبنًا تمارسه حكومة مدريد ضدها في توزيع عائدات الضرائب، وهو ما ترد عليه حكومة مدريد دائما بأن الإقليم غني وليس في حاجة إلى الجزء الأكبر من عائداته من الضرائب، وبالتالي ترى أنه من الأنفع توجيهه لدعم التنمية في أقاليم أخرى أكثر فقرًا.
أما بالنسبة للواقع اللبناني، فإن فكرة الفيدرالية جميلة وتعكس وجهٌ حداثيٌ إداري ونقلة نوعية في محاربة البيروقراطية، ولكن السؤال، من يضمن في ظل ذاك الإنقسام الأفقي والعامودي في المجتمع، حيث ترسخت في أذهان الناس هذا الإنقسام على أسسٍ مناطقية وطائفية ضيقة، أن تتحول تلك الكيانات الفيدرالية إلى دويلاتٍ متصارعة؟ من يضمن بقاء تلك الوحدات تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية؟ للأسف لا ضمانة إطلاقًا، فإن الفيدرالية في الوقت الحالي، هي إنهاء الكيان اللبناني وتحويله الى كياناتٍ أثينة غير قابلة للتعايش مع بعضها البعض، وقد تؤدي الى حربٍ دموية أشبه بالواقع السوري وتعزز التدخلي الخارجي أكثر فأكثر.