في سياق هذا المستقبل الأسود، الذي بات شبه مؤكّد، الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، يبقى البحث عن السيناريوهات التفصيلية للانهيار الذي يقترب على ايقاع داخلي، عنوانه المناكفات السياسية المدمّرة، والمحاصصة الفاجرة على ما تبقّى من دولة فاشلة، وإيقاع خارجي مضبوطة ساعته على موعد العشرين من كانون الثاني، الذي بات موضع اهتمام اللبنانيين أكثر من الأميركيين أنفسهم، تماماً كما كانت الحال في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.
«الوضعان الاقتصادي والمالي إضافة إلى النظام المصرفي، في حال من الفوضى، السلم الاجتماعي بدأ بالانهيار، الأحداث الأمنية باشرت الارتفاع، الهيكل اللبناني يهتز، أما القادة السياسيون فينتظرون بايدن. لكن، هذا لبنان، وليس الولايات المتحدة»… ليست هذه شكوى باتت يومية على لسان كل مواطن لبناني، بل تحذير مصاغ بعبارات التوبيخ للسلطة اللبنانية من قِبل أعلى مسؤول أممي في لبنان.
ربما يكون ما قاله يان كوبيتش، أكثر التوصيفات دقّة للوضع اللبناني الحالي، إذا ما استثنينا سماً مفترضاً قد دُسّ فيه، على النحو الذي سمح للبعض بتفسير الإشارة إلى «جو بايدن المنتظر» من باب التصويب على فريق واحدٍ، يتهمّه البعض بأنّه يضبط ايقاع الحياة السياسية اللبنانية على دقات ساعة البيت الأبيض، للإيحاء بأنّ ما يعطّل تشكيل الحكومة اللبنانية هو العامل الخارجي وحده.
هذا على سبيل المثال ما نطق به رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، حين دخل مباشرة في التسميات قبل يومين، وأشار إلى أنّ «القوة المركزية في لبنان، يعني إيران متمثلة بـ»حزب الله»، تنتظر إستلام الرئيس المنتخب الجديد جو بايدن لتفاوض إيران معه، على الملف اللبناني، الصواريخ، العراق، سوريا، اليمن… هم مرتاحون في وقتهم، وفي الأثناء، نرى كيف يستفيدون من الفراغ في لبنان».
ضمن هذه التفسيرات يُعاد تركيب المشهد السياسي اللبناني على قاعدة تعميق الاصطفافات الداخلية وإضفاء عليها صبغة خارجية، لا شك أنّها حاضرة، ولكن على نحو مغاير تماماً لفرضية أنّ كل شيء في لبنان بات رهناً بمعادلة الصراع – التسوية بين أميركا وايران.
لعلّ الجميع يدرك، بما في ذلك خصوم «حزب الله»، أنّ مقاربة الأخير للعامل الخارجي تتجاوز الطابع التكتيكي بأشواط، فهي تتسمّ بطابع استراتيجي يجعل التعامل مع موعد العشرين من كانون الثاني أبعد كل البعد عن مجرّد حصره بملف التشكيل الحكومي.
وإذا كان ثمة محورية للعشرين من كانون الثاني عند «حزب الله»، فهي تتعلق بعاملين أساسيين: الأول، ما قبل هذا الموعد، والثاني ما بعده.
ما قبل العشرين من كانون الثاني قد يكون أكثر المراحل حساسية على لبنان. فخلالها يمكن توقّع مروحة واسعة من الخيارات الخارجية للسياسة الترامبية، التي سيكون الغرض منها تكبيل جو بايدن، وهي تتراوح بين رفع «الضغوط القصوى» إلى أقصى مداها، سواء تعلّق الأمر بإيران أو لبنان أو دول أخرى، وبين الذهاب إلى مغامرة عسكرية في ظلّ استعراض القوة الجاري حالياً في الخليج العربي، الذي بات وجهة الطائرات والغواصات الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
أما ما بعد العشرين من كانون الثاني، فنتائجه لن تظهر إلّا بعد أشهر، خصوصاً أنّ الهموم الأساسية للإدارة البايدينية ستنصبّ بشكل أساسي على الأجندة الداخلية، المتمثلة بشكل خاص في التعامل مع تركة دونالد ترامب، الذي دفع بالاستقطاب الداخلي الأميركي إلى مستوى غير مسبوق. وهذا يعني أنّ السياسة الخارجية لن يطرأ عليها أيّ تعديل جوهري خلال الأشهر الأولى من الولاية البايدينية، أي أنّها ستسير وفق الكاتالوغ الترامبي نفسه، مع بعض التعديلات الطفيفة.
رغم كل ما سبق، يحاول البعض في لبنان أن يوحي بأنّ الفرج آتٍ بعد واحد وعشرين يوماً، كما لو أنّ جو بايدن سيحمل معه إلى حفل التنصيب عصا سحرية يلوّح بها في واشنطن، فتولد الحكومة في بيروت على قاعدة «كوني فكانت”. لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.