فرغم محاولةِ “تدليكِ” مَظاهر الفرَح بالعيد عبر إحياء وسط بيروت احتفالاً شعبياً بعنوان “ثورة رأس السنة”، فإن اللبنانيين الذين انهمكوا في “جرْدة الربح والخسارة” مع وداعِ عامٍ مضى واستقبال سنةٍ جديدة لم يحصدوا سوى الخيْبة مع تَعاظُم الشعور وكأنهم في “العراء” وسط تصدّعات حادة أصابتْ السلطةَ وتهاوت معها “التسويةُ السياسية”، والقفزاتُ المطردة لـ«خط الفقر» والمأزق المالي المفتوح على المزيد من الفصول الكارثية، والانكماش الاقتصادي غير المعهود، والاضطراب الاجتماعي وخطر انزلاق إلى فوضى.
وعلى وقع هذا العصف الداخلي الذي يزداد حماوةً مع وهج الصراع الإقليمي على لبنان وفيه، سادتْ أجواء في الساعات الماضية تؤشر إلى إمكان ولادة الحكومة الجديدة قبل نهاية الأسبوع الجاري على أبعد تقدير في تطوّر تكمن له على الطريق أكثر من «قنبلة موقوتة» بسبب الملابسات التي أفضتْ إلى تكليف تحالف فريق رئيس الجمهورية ميشال عون – الثنائي الشيعي (حزب الله، حركة أمل) الأستاذ الجامعي حسان دياب تشكيل الحكومة، وما انطوتْ عليه عملية التأليف من معايير من شأنها إغضاب الشارع الذي استكان في انتظار الإعلان عن الحكومة.
ورغم ميل أوساط سياسية إلى القول «ما تقول فول تيصير بالمكيول»، فإن المعلومات المتقاطعة تحدثت عن أن تشكيل الحكومة يخضع للمسات أخيرة بعدما أُنجزت خطوات فعلية في اتجاه الإفراج عنها، ومنها حسْم رسْمها التشبيهي حجماً وحصصاً وتوزيعاً للحقائب على القوى السياسية الراعية لها، والتفاهم على مجموعة من الأسماء بعد أخْذ وردّ، والعمل على حلحلة تعقيدات محدودة ما زالت تحتاج إلى مشاورات أخيرة.
ولن يكون مفاجئاً انفجار معارضة متعدّدة الجهة للحكومة المرتقبة التي ستواجه:
• غضب الانتفاضة انطلاقاً من الوقائع التي أظهرتْ أن السلطة عاودت تقاسم الحكومة وتسمية الوزراء فيها على نحو يعاكس مطلب ثورة 17 أكتوبر بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين.
• غضباً سنياً باعتبار أن هذه الحكومة تعكس، رئيساً وتشكيلة، انقلاباً مقنَّعاً على التوازنات السياسية – الطائفية بعدما جرت الإطاحة برئيس حكومة تصريف الأعمال زعيم “المستقبل” سعد الحريري.
• الإحجام الدولي – العربي المتوقع عن مدّ يد المساعدة للبنان عبر الحكومة المرتقبة.
• ارتسام ملامح اصطفاف درزي على خلفية ما اعتُبر تهميشاً للمكّون الدرزي في التأليف عبر إسناد حقيبة البيئة إلى ممثّلها في الحكومة، وهو ما عبّر عنه كلام رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي أعلن “بالأساس فإن الأقنعة ساقطة واللعبة مكشوفة. ان تفاهم البوارج التركية والاتصالات بين البرتقالي والأزرق والذي خرب البلاد يبدو يتجدد بصيغة أخرى مع لاعبين جدد في حكومة التكنوقراط الشكلية وهيْمنة اللون الواحد. لكن أحذّر من احتقار الدروز وحصرهم بموقع وزارة البيئة بأمر من صهر السلطان” (في إشارة ضمنية إلى الوزير جبران باسيل).
ولم يمرّ كلام جنبلاط الذي حمل غمزاً من قناة الحريري من دون ردّ من الأخير (الموجود في عطلة في فرنسا) الذي غرّد: “فعلاً الأقنعة سقطت واللعبة انكشفت… في ناس عندن عمى ألوان بالسياسة ونظرهن مروْكب على اللون الأزرق… رافضين يفوتو عالحكومة من الباب وراكضين يفوتو من الشباك. مشاكلكن ما تحلوها على ضهر غيركن. خلصنا بقا”.
تشكيل الحكومة يخضع للمسات أخيرة.. و’انفجارات’ من نوع آخر في لبنان
كتبت صحيفة “الراي” تحت عنوان ” لبنان “يدشّن” 2020 بالاستعداد لمواجهة متجدّدة بين السلطة والانتفاضة”: “لم تسترِح بيروت، التي تُعانِد الشعورَ بـ”النكبة” في إجازة رأس السنة، فالسلطةُ التي تستعدّ للإفراج عن الحكومة الجديدة، والانتفاضةُ التي أحيتْ “ليلةَ فرحِ”، على سلاحهما عشية الأجواء التي توحي بانتقالهما إلى فصل جديد من المواجهة في أول أيام عمل من الـ2020.