ليس في هذا التوصيف ظلم للاستحقاق الحكومي، او اسقاط له مرتبة دُنيا، أو تقليل من شأنه، بل على العكس، هو توصيف واقعي لأمر فقد صفة الأهميّة لاسباب عديدة، بعضها يسبق حدث الاغتيال، ويكاد لا يُرى في موازاة حجم الحدث وتداعياته المحتملة التي تتهدّد جغرافية المنطقة برمّتها. وهنا أمر طبيعي جداً ان يتشارك كل اللبنانيين القلق من إمكان تمدّد تلك التداعيات الى لبنان فيما لو وقعت المواجهة التي يُقال انّها حتمية بين الولايات المتحدة الاميركية وايران، وقد تشتعل شرارتها في اي لحظة.
وليس في هذا التوصيف ظلم للاستحقاق الحكومي، امام مقاربة احد كبار المراجع السياسية لملف تشكيل الحكومة، بقوله ما حرفيته: “تأليف الحكومة من الاساس تفصيل أقل من ثانوي واصغر من صغير، فقد جرى تكليف من لون واحد، والتأليف حكماً من لون واحد، وبالتالي كان يُفترض ان تتشكّل الحكومة في الاسبوع الاول الذي تلا التكليف، وامام ما جرى في المنطقة والمخاطر المترتبة على حدث اغتيال سليماني، يُفترض ان تذوب اي عِقَد سريعاً والذهاب الى تأليف حكومة فوراً. ولكن على رغم صغر هذا الأمر، فإنّه يبدو اكبر من ان يخترق بعض العقليات المهترئة التي تقارب تأليف الحكومة بذات النفس الأناني والاستئثاري الذي اتُبع مع تشكيل الحكومات السابقة، وعلى قاعدة “انا ربكم الاعلى فأطيعوني وامتثلوا لإرادتي وارضخوا لمشيئتي!”.
هذه العقلية، يقول المرجع المذكور، عبّرت عن نفسها بإصرارها على ان تبيح لنفسها ما تحرّمه على غيرها، وعلى فرض توازن معيّن واكثريات لمصلحتها حصراً داخل الحكومة الجديدة، وعلى اسماء مقترحة للتوزير، يُقَدّمون كاختصاصيين فيما هم في حقيقتهم إما حزبيّون مقنّعون، واما شركاء مصلحة أو ندماء سهرات ورفاق رحلات وسفرات، او زوجات اصدقاء معيّنين، أو اتباع يُدارون عن بعد بـ«الريموت كونترول»، وبإصرارها على حقائب وزارية معيّنة، والحديث متزايد هنا عن «هدية» منتظرة من وزارة الطاقة بعد التأليف ونيل الحكومة الثقة، تخيّر فيها اللبنانيين بين البواخر والعتمة، بذريعة عدم القدرة على معالجة قطاع الكهرباء قبل حزيران 2021، اي بعد سنة ونصف. وبعض المسؤولين ممن بلغتهم أخبار هذه «الهدية» قرّروا من الآن ان يختاروا العتمة! ويوازيها منطق آخر مستجد يصرّ على وزارتين سياديّتين، وطرح اسم معيّن لوزارة اساسية لأنّه صديقه، او اسم آخر لوزارة اخرى، ويحاول ان يمون في توزيره على حصّة طائفة اخرى، لانّه كان يوماً ما مستشاره ..
انّ استمرار هذه العقلية على المنحى الذي تسلكه، ولا يبدو انّها ستحيد عنه، كما يقول المرجع نفسه، لا ينتج حكومة اياً كان شكل هذه الحكومة ومضمونها. واكثر من ذلك، فإنّ مع استمرارها على هذا المنحى، لن يكون مفاجئاً أبداً إن بادر بعض اطراف التكليف، الى قلب طاولة التأليف رأساً على عقب، بما يعيد الأمور الى مربّع ما قبل الصفر وليحصل ما يحصل.. هذا الكلام بدأ يتردّد بصوت مرتفع ومسموع ويُلوَّح بترجمة جديّة له، وثمة رسائل بهذا المعنى بُعث بها في اتجاهات معنيّة بالملف الحكومي.
وليس بعيداً عن هذه العقلية، والصراع على الحقائب، وبعضه يصفه معنيون مباشرون بملف التأليف، بالمحتدم على خط الرئيس المكلّف حسان دياب و«التيار الوطني الحر» حول بعض الاسماء والحقائب السيادية. فقد اشيع بالأمس انّ الاجواء ايجابية، الّا انّ ذلك ناقضه حديث معنيين بالتأليف عن «انّ ولادة الحكومة مستعصية هذا الاسبوع، فلننتظر الاسبوع المقبل»، ما يعني انّ الايجابية، وكما وصّفها مواكبون لمسار التأليف، «ستار يغلّف الفشل في بلوغ توافقات، فالايجابية تعني التأليف الفوري، وليس الترحيل الى الاسبوع المقبل وربما الى ابعد منه بكثير. في الخلاصة القصة مطوّلة، والله يقطّعها على خير».
وبمعزل عن ذلك كله، فإنّ سؤالاً بدأ يطرح نفسه في اوساط سياسية مختلفة ربطاً بالتطوّرات التي تتسارع في المنطقة، اي حكومة ستتشكّل؟ هل انّ الوضع الداخلي ربطاً بتطورات الاقليم ما زال يحتمل تشكيل حكومة اختصاصيين وظيفتها مواجهة الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة، أم أنّ الضرورة المحليّة والاقليميّة باتت تحتّم الذهاب الى حكومة بحجم تحدّيات المنطقة وتطوراتها المتسارعة؟ والسؤال الأهم، إن تقرّر الذهاب الى مثل هذه الحكومة فبرئاسة من؟
واللافت هنا ما قاله مرجع مسؤول: “انا في الاساس مع حكومة تكنوسياسية، وبعد اغتيال قاسم سليماني وما يمكن ان ينشأ عنه، صرت اكثر قناعة بحكومة من هذا النوع. فالبلد في هذه المرحلة، وكما يحتاج الى حكومة مواجهة لأزمته الداخلية، هو في الوقت نفسه بحاجة الى “حكومة جنرالات” بالمعنى السياسي، حكومة جامعة قادرة على الصمود وتمتلك قدرة تحصين البلد من اي عواصف قد تهبّ عليه، ومنع اي انزلاق للوضع فيه، وليس حكومة حمائم تطير الى اعشاشها حينما يطرأ أي طارئ محلي او اقليمي او دولي”!”.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.