ما دور قاسم سليماني في مواجهة ثورة اللبنانيين؟

9 يناير 2020

بدأت وسائل الإعلام الأميركية تحليل نتائج اغتيال قاسم سليماني، والهجمات الصاروخية الإيرانية التي جاءت رداً على اغتياله. وقد ركزت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، على دور حزب الله في لبنان بعد اغتيال الجنرال الإيراني. إذ يجد لبنان نفسه في الصراع الذي على أشده بين طهران وواشنطن، مدعواً للعب دوره من خلال الحزب في مشهد ضبابي يبدو أنه سيطول.

الوقت والمكان المناسبين
قام جنرال الظل الإيراني لسنوات، بتوسيع عملياته بشكل مطرد من خلال الوكلاء في لبنان وسوريا والعراق. لكن في الآونة الأخيرة، تعرضت قواته للعديد من الضربات العسكرية. فقد هاجم الجيش الإسرائيلي عدداً لا يُستهان به من القواعد الإيرانية في سوريا والعراق (وربما لبنان)، ما أسفر عن مقتل عدد كبير من المقاتلين والقادة اللبنانيين والعراقيين والقضاء على معظم مصانع صواريخ سليماني.

على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تعرض لها، لم يُجبر سليماني، كما تشير “فورين بوليسي”، على مواجهة الولايات المتحدة مباشرة. وقد تطلع دائماً إلى الجائزة الرئيسية لتأمين نفوذ إيران في المنطقة، وقلل من شأن أي حوادث مؤلمة، ووعد بالرد في “الوقت والمكان المناسبين”.

لكن الوقت والمكان المناسبين، حسب المجلة، لم يأتيا. لقد قُتِل سليماني، المؤسس الأكبر للقوة الإقليمية الإيرانية، لتجد إيران نفسها في موقف صعب. إذ إن عدم القيام بأي رد فعل سوف يشير إلى الضعف، أما الرد بقوة قد يعرض النظام وأعوانه لمزيد من الضربات الأميركية.

تشير المجلة أنه من المحتمل أن تتجنب إيران اتخاذ إجراءات صارمة يمكن أن تؤدي إلى الحرب. وسوف تستمر بدلاً من ذلك في المسار نفسه الذي أشعله سليماني، أي معادلة لا مواجهة مباشرة مع خصومها الرئيسيين، بل محاولة جادة لتأمين النفوذ المؤسسي لها في المنطقة. وهذا من المرجح أن يفعله حزب الله، أحد شركاء إيران الإقليميين الرئيسيين، والذي وعد في الأيام الأخيرة بحملة لإطلاق النار والغضب.

تصريحات نصرالله
في حفل تأبين سليماني في الضاحية الجنوبية لبيروت بتاريخ 5 كانون ثاني 2020، دعا أمين عام حزب الله حسن نصر الله، إلى الرد بقسوة على عملية الاغتيال. وقال إن الجيش الأميركي سيدفع ثمن مقتل سليماني، محذراً من أن جنوداً وضباطًا أميركيين سيعودون إلى ديارهم في نعوش. كما أعلن أن الرد على الاغتيال لن يكون مسؤولية إيران وحدها، بل جميع حلفائها أيضاً.

جاءت تصريحات نصرالله بعد يوم من إجراء قناة المنار التلفزيونية، التابعة للحزب، مقابلة مع زينب سليماني، ابنة قاسم سليماني، أعربت فيها عن ثقتها العميقة بنصر الله. ولخصت المقابلة ببضعة كلمات “أعرف أنه سينتقم لدم والدي”.

لا يُعد ما صرحت به ابنة سليماني، حسب المجلة، مؤشراً على أن حزب الله سيأخذ قريباً المبادرة لإطلاق رد عسكري ضد الولايات المتحدة. بل تضمن في جوهره رسائل ذكية، تذكر بالقوة الإقليمية لإيران، وتلمح إلى كيفية قيام سليماني نفسه بتطوير الحزب ليصبح أحد أعظم حلفاء إيران.

تقول المجلة الأميركية، أنه إذا ما تركنا الخطاب الناري جانباً، فإن نصر الله يعلم أنه لا يمكن أن يشارك مباشرة في أي نوع من الانتقام. وكما لاحظنا جميعاً، فهو لم يذكر لبنان في خطابه مرة واحدة، ولم يلمح إلى إسرائيل كهدف محتمل. وعلى الرغم من شجاعته، يعرف نصر الله أن الخيار الأفضل بالنسبة له ولإيران هو مواصلة البراغماتية وعدم بدء حرب إقليمية.

استراتيجية حزب الله
خلال العقد الماضي، كانت استراتيجية حزب الله في لبنان تتلخص بالحفاظ على الاستقرار الذي يحمي مصالح إيران. لهذا السبب بالتحديد رأت الجماعة اللبنانية وجوب إخماد الاحتجاجات الأخيرة في لبنان. وقد أرسل الحزب لهذه الغاية البلطجية لمهاجمة المحتجين في الشوارع، وخصوصاً في البلدات والقرى الشيعية، وزاد التهديدات ضد الناشطين والمعارضين الشيعة.

وتكشف المجلة أن سليماني سافر مراراً إلى بيروت للمساعدة في تهدئة الاحتجاجات من خلال تقديم المشورة لمسؤولي الحزب، حول كيفية وتوقيت التعامل مع المتظاهرين. وركزت استراتيجيته على هدفين: منع الشيعة من المشاركة فيها والضغط على المؤسسات الأمنية لسحقها. فهو فهم أن أي اضطراب قد يشكل خطراً على مصالح إيران وإنجازاتها الهشة في المنطقة.

السيطرة على الدولة
لا يزال حزب الله يسيطر على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، على الرغم من أن شعبيته قد تضررت. لذلك سيغتنم الحزب، وفق المجلة، الفرصة التي أتاحها اغتيال سليماني لمحاولة استعادة بعض الشعبية، وإحياء صورته، من خلال تصوير الولايات المتحدة على أنها الدولة السيئة.

لكن الحزب يواجه صعوبات في إقناع الشارع. إذ يبدو اللبنانيون أكثر تركيزاً اليوم على الاقتصاد والمصاعب اليومية، بدلاً من الخطاب الإيديولوجي. كما لا بد من التطرق إلى الصعوبة في الحشد لحملة الانتقام. فقد خسر الحزب عدداً كبيراً من قوات النخبة في سوريا وبقية المنطقة. ويتكون جزء كبير من قوته الحالية من مجندين جدد، لا يزالون بحاجة إلى التنظيم الذي سيستغرق بعض الوقت، لأن العديد من المقاتلين الجدد تم تجنيدهم على عجل أثناء الأزمة السورية، وكان من الصعب تدريبهم. كما أن موارده المالية ترزح تحت الضغط، بسبب العقوبات القاسية على إيران.

وهكذا، وبينما تحاول إيران تعزيز قوتها في العراق، عبر مؤسسات الدولة والمناورات المحدودة ضد القوات الأميركية، سيحاول الحزب، كما ترى المجلة، فعل الأمر نفسه في لبنان. ومن المحتمل أن يبذل جهداً لتشكيل حكومة في بيروت تكون أكثر ارتباطاً به وبحلفائه. كما سيحاول تسويق الحكومة كخيار وحيد يضمن الاستقرار، على أمل أن يقدّر المجتمع الدولي أولوية استقرار لبنان على الإصلاح، خصوصاً وأن المنطقة تغلي بالتوتر.

في الوقت نفسه، حتى مع تجنب المواجهة العسكرية، قد يعمل الحزب على إعادة بناء ترسانته من الصواريخ الدقيقة والاستعداد للحرب مستقبلاً. وسيحاول تحويل الأزمة الاقتصادية اللبنانية لصالحه، إذ قد يزيد من عمليات التهريب عبر الحدود اللبنانية-السورية لجلب الغذاء والدواء من العراق وسوريا. وهذا ما يحدث بالفعل على نطاق صغير حالياً، وسمح له ببناء اقتصادٍ موازٍ في لبنان.

دعم شعب لبنان
عندما اغتيل القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية على يد وكالة المخابرات المركزية الأميركية وجهاز الموساد الإسرائيلي في سوريا في شباط 2008، رد الحزب على الاغتيال داخل لبنان، بافتعاله مشاكل أمنية ضد اللبنانيين طوال الصيف. كانت تلك هي اللحظة التي سيطر فيها الحزب على لبنان، من خلال القضاء على حكومة 14 آذار وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي وضعت لبنان منذ ذلك الحين تحت سلطته.

لذلك تخلص المجلة للقول، أنه بالنظر إلى الاستراتيجية المحتملة لإيران وحزب الله، فإن أفضل طريقة لاحتواءهما تكمن بدعم وتمكين شعب لبنان والعراق، وهما الفصيلان الحقيقيان اللذان يمكن أن يقبلا أو يرفضا دعم وكلاء إيران، ويشكلا التغيير الحقيقي في المنطقة.