كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”: منطقان متصادمان ومتفاعلان على الحلبة الحكومية؛ الأول مصرّ على حكومة اختصاصيين بلا سياسيين، والثاني لم يعد يقبل إلاّ بحكومة مختلطة من سياسيين واختصاصيين.
هذا التصادم السريع كسر هيبة التأليف، وعطّل ولادة الحكومة الجديدة كلياً، وركنها على الرف، في انتظار معجزة تعيد البحث في تأليفها الى مساره المؤدي الى ولادة طبيعية لحكومة متفاهم عليها بين الرئيس المكلّف حسان دياب والقوى السياسية التي كلّفته تشكيل الحكومة.
وكما هو واضح من هذا التصادم، مضافة اليه الحدّة في الخطاب السياسي، لم يعد التأليف هو الاولوية، بل صارت الاولوية إصلاح ذات البين ضمن الفريق الواحد، وردم الهوّة التي توسعت سريعاً، والى حدّ غير مسبوق بين الرئيس المكلّف وبعض فريق التكليف. وبالتالي محاولة ابتداع “حلّ وسط” بين المنطقين المتصادمين يعيد التأليف الى مساره وينتشل الحكومة من الحفرة التي سقط فيها.
لكن، هل ثمة امكانية لحصول معجزة وبلوغ حلّ وسط؟
بالتأكيد لا، ذلك ان لا حل وسطاً ممكناً بين المنطقين المتصادمين، فإما ابيض وإما اسود، وبالتالي فإنّ الحل الوحيد الممكن هو ان يتقدّم احد المنطقين على المنطق الآخر، وتخرج الحكومة المعطّلة على صورته. والسبيل الوحيد الى ذلك، هو ان يتراجع احد المنطقين امام المنطق الآخر. وهذا يقود الى سؤال: من سيرضخ ويتراجع أولاً؟
الرئيس المكلّف قال انّه ماضٍ في مهمته لتأليف حكومة اختصاصيين كاملة تعكس “تكنوقراطيته”، ولن يرضخ للضغوط والتهويل، وبالتالي لن يحيد عن المعايير والقواعد التي وضعها لتأليف حكومته.
في المقابل، يبدو الفريق الذي كلّف دياب مجمعاً على حكومة تكنوسياسية ولا تراجع عنها، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ذهب أبعد من ذلك بكثير الى حد طرح حكومة سياسية كاملة تمليها التطورات التي شهدتها المنطقة قبل ايام، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ثبّت موقفه الذي نادى به فور تكليف دياب، الداعي الى تشكيل حكومة جامعة، من اختصاصيّين وسياسيّين، ولا غلبة فيها لاّحد، بمعنى ان لا ثلث مُعطِّلاً فيها لأي طرف، اذ ما معنى “الثلث المعطّل” في حكومة فريق من لون واحد، حاصراً مشاركته في حكومة كهذه، وليس في أي حكومة أُخرى، متعهداً منح اي حكومة اخرى يشكلّونها ـ وفق المعايير الجديدة ـ الثقة، لكنه يبقى خارجها ولا يشارك. ومع هذا التوجّه يتماهى موقف “حزب الله” وتيّار “المردة”، الذي زاد على ذلك بأن ربط مشاركته في حكومة دياب بحصوله على حقيبتين وزاريتين.
الواضح انّ هذا الفريق قد حسم خياره النهائي، واجواؤه تؤكّد ان لا تراجع عنه، وبالتالي بديهي القول امام هذا الحسم النهائي، انّ ثمة استحالة لقيام حكومة تكنوقراط، وهذا من شأنه ان يلقي الكرة في مرمى الرئيس المكلّف، وتضعه امام خيارات عدة:
ـ الأول، الاعتذار عن تأليف الحكومة، ويُصار الى تكليف شخصية بديلة منه لتشكيل الحكومة. إلاّ انّ هذا الاعتذار ليس وارداً لدى الرئيس المكلّف، كما هو ليس مطروحاً لدى الفريق الذي كلّفه تشكيل الحكومة.
ـ الثاني، عدم الاعتذار، وان يبقى رئيساً مكلّفاً، متحصّناً بالمدى الزمني المفتوح له دستورياً الى ما شاء الله.
ـ الثالث، ان يتراجع عن إلزام نفسه بحكومة تكنوقراط على صورته، وينزل عند رغبة فريق التكليف ويشكّل حكومة تكنوسياسية. علماً انّ هذا التراجع مُكلف بالنسبة اليه، معنوياً على الاقل. وبديهي هنا ان يُطرح السؤال في محيطه: لماذا لا يتراجع الآخرون ويقبلوا بحكومته التكنوقراطية؟
ـ الرابع، ان يبقى مصمماً على حكومة تكنوقراط يرفضها الفريق الذي كلّفه تشكيل الحكومة. فهل سيستطيع، على رغم كل الحصانة الدستورية التي يتمتع بها، ان يؤلّفها وحده؟ وكيف سيؤلّفها؟ وممن سيؤلّفها؟ وهل سيستطيع ان يتجاوز الجدار السياسي المانع لتشكيلها؟ والأهم من كل ذلك، هل سيستطيع ان يصمد في موقع الرئيس المكلّف، إن كانت القوى السياسية على اختلافها ترفض حكومته التكنوقراطية؟
لقراءة المقال كاملا اضغط هنا