لا يتوقف تطور المرض ولا تتراجع أعراضه، ولا يمكن تأخيره إلا عبر تناول الدواء يومياً. وحنين كسواها من المرضى تُضطر إلى شراء علبة دواء تيكفيديرا “tecfidera” كل شهر، والذي تبلغ كلفته ما يعادل 2100 دولار تقريباً. جمعت حنين بعض المال وادخرته في المصرف، وقد كتبت على صفحتها على “فيسبوك” أنه “لأننا في بلاد ليس فيها احترام للمواطن وحقه المجاني بالطبابة، ولأنني أخاف كما جميع اللبنانيين من الغد كنت قد جمعت مبلغاً يعادل ثمن علبتيّ دواء ووضعته في المصرف، كنوع من الضمانة في حال تعذر لأي سبب تأمين المال لشرائه. ولما صرفت من عملي تعسفياً بعد إقفال مكاتب جريدة “الحياة” ومجلة “لها” في بيروت، وبعد معركة لنيل تعويضاتنا، أضفت المال الذي حصلت عليه من تسوية التعويض مع “الحياة” ومن صندوق التعويضات في الضمان الاجتماعي إلى المبلغ المرصود للدواء في المصرف”. وأضافت: “منذ وقوع الأزمة وأنا أحاول بجميع الطرق سحب الضمانة الصحية الوحيدة التي أخشى أن يصادرها المصرف، الذي استولى مع باقي المصارف على أموال صغار المودعين ومدخراتهم”.
قامت حنين في بداية عملية الكابيتال كونترول التعسفية بتحويل المبلغ إلى ثلاثة حسابات مصرفية، أحدها يعود لزوجها، الذي باتت تستفيد من ضمانه بعد حرمانها من الضمان عقب خسارتها العمل. وعليه، لجأت إلى سحب الأموال من ثلاثة مصادر أسبوعياً لتستعيد مالها. لكن مع “التقنين” الحاصل وخفض سقف السحوبات المالية بالدولار، لم تستطع الحصول على المال. كذلك لم تستطع جمع المبلغ المفروض لشراء علبة الدواء التي تحتاجها.
نتيجة التسوّل من مصرفين
وقالت: “توجهت إلى مصرف blom حيث وضعت جزءاً من مدخراتي بالدولار، كما توجهت إلى مصرف fransabank حيث الجزء الآخر بالدولار أيضاً، ومعي فاتورة الصيدلية، وطلبت سحب مبلغ 2000 دولار لتغطية ثمن الدواء. عملية التسول هذه في المصرفين وصلت إلى نتيجتين، أحلاهما مُرّ ضاعفا من معاناتي وهواجسي الكثيرة: “فرنسبنك” وافق على أن يصرف لي شيكاً للصيدلية التي أشتري منها الدواء بالدولار الأميركي، وهو ما لا يقبل به أصحاب الصيدلية لعدم تمكنهم هم أيضاً من تحصيل المبلغ من المصرف بسهولة. فضلاً عن أنني سأخسر بهذه العملية فارق سعر صرف الدولار الذي يصل إلى مليون ليرة (ثلث ثمن الدواء). أما في “بلوم بنك”، فكان الرد: بما أنك مضطرة على المبلغ يمكنك الحصول عليه بالليرة اللبنانية بسعر الصرف الرسمي، أي أنني سأخسر أيضاً لصالح حيتان المال والمصارف الذين يستغلون مرضي لجني المزيد من الأرباح على حساب صحتي وكرامتي”.
في اتصال مع “نداء الوطن” أكدت حنين أنها “تتجه إلى توجيه إنذار للمصرفين للمطالبة بحصولها على المال ومراعاة وضعها الصحي”، مؤكدة أن “أي ضرر يحدث لي أو أي تراجع يطرأ على وضعي الصحي فإنني أُحمّل إدارة المصرفين كامل المسؤولية عما سيؤول إليه مصيري”. وقالت: “هذا المال لي. إدخرته من سنوات الكد والعمل ووضعته بالدولار، ليس طمعاً بربح سريع ولا بفوائد عالية، بل فقط لاؤمن غطاءً صحياً واجتماعياً لي ولعائلتي. ولن أتنازل عن حقي في الحصول عليه كاملاً من بطن الحوت وبالعملة التي أودعته فيها. لن أتسوّل حقي في الطبابة على حسابي من أحد”.
“نداء الوطن” تواصلت مع مسؤولين في وزارة الصحة الذين أكدوا أن “الوزارة لا يُمكنها التدخل مع المصارف لحل هذه الأزمة، ولكنها تؤمن الدواء لغير المشمولين بالضمان الاجتماعي مجاناً”. وأوضحوا أن “الأزمة طاولت بذيولها المرضى من عدة جوانب، وقد أثّرت بالفعل سلباً على عددٍ كبير منهم، وقد سمعنا أكثر من شكوى في هذا الإطار، ونحن في صدد البحث عن إمكانية إيجاد حلول مناسبة، لكن من الضروري أن يقوم المودعون باتباع المسارات القانونية مع المصارف، عبر تقديم شكوى إلى مكاتب الشؤون القانونية في المصارف، وإرفاقها بالمستندات الطبية التي تُثبت حاجتهم إلى المال لشراء الأدوية، أو التوجه إلى تقديم طلب لمحامي الضمان الاجتماعي الذي من شأنه الدفاع عن حقوق المضمونين والتفاوض مع المصارف لصالحهم”، مشددين على أن “الوزارة تفتح أبوابها أمام المرضى ومستعدة لتقديم أي مساعدة لهم ضمن الأطر القانونية وضمن حدود الصلاحيات الممنوحة لها”.
أزمة الأسعار
مشكلة أخرى تفاجأت بها حنين عقب كتابتها المنشور على صفحتها على “فيسبوك”، إذ تبيّن من بعض التعليقات أن هناك من يشتري الدواء نفسه بسعر أقل، فقد خفضت الوزارة في الشهر الفائت كلفة الدواء من 3116000 ليرة لبنانية إلى 1687000 ليرة. وبعد أن استفسرت حنين من الصيدلية حيث تشتري الدواء بالسعر الأعلى، جاء الرد أن الصيدلية لم تتبلغ بعد من الشركة الموزعة بتخفيض السعر، الذي بلغ نصف السعر الأساسي تقربياً. والمفارقة الأكبر تكمن في كون سعر الدواء نفسه في بلدان أخرى أقل بكثير، بحيث أنه ُباع في تركيا بأقل من 500 دولار، وفي فرنسا لا يتجاوز سعره 800 يورو. وهو ما يطرح علامات استفهام أخرى كبيرة حول سوق الدواء في لبنان ودور الدولة والمؤسسات الرسمية في هذا المجال، وكيفية عمل مافيات شركات التوزيع التي تتحكم بالأسعار ومن خلفها المواطنين من دون حسيب أو رقيب.