كتب عبدالكافي لصمد في “الأخبار”: عندما شرع المهندس البرازيلي الشهير أوسكار نيماير (1907 – 2012) في تشييد مبنى “معرض طرابلس الدولي الدائم” عام 1964 (سُمّي لاحقاً معرض رشيد كرامي الدولي عام 1987 بعد اغتيال الأخير)، في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب وبطلب منه، فوق قطعة من الأرض تقارب مساحتها مليون متر مربع تقع بين بساتين الليمون، لمضاهاة ومنافسة معارض حديثة كان بدأ تشييدها حينذاك في العراق وسوريا وتركيا وغيرها، لم يكن يخطر ببال نيماير وقتها أن هذه التحفة المعمارية التي توقف العمل بها عام 1975 بسبب اندلاع الحرب الأهلية، ومن غير أن تستكمل منشآتها حتى اليوم، ستتحول إلى مكان يؤوي عائلات مهجرة نزحت إليه من أحياء طرابلس الفقيرة، للإقامة فيها بشكل مؤقت. كان يُتوقّع أن يسهم المعرض في خلق حركة اقتصادية في طرابلس، تُبعد عن بعض أبنائها شبح الفقر. لكنه تحوّل إلى مركز إيواء عائلات لم تستطع أن تدفع بدلات إيجار مساكنها الشهرية.
فبعد عصر يوم الأحد الماضي، وبشكل مفاجئ، دخل نحو 35 امرأة وطفل إلى باحة المعرض، مستغلين يوم العطلة (الأحد) بحيث لم يعترضهم حراس أو موظفو المعرض. وسهّلت دخولهم جمعية تطلق على نفسها “عطايا لبنان”، قدّمت لهم خيماً للإقامة فيها. العائلات التي ظهرت عليها علامات الفقر والتعب والإرهاق، عمدت الجمعية إلى وضع فرش لها داخل الخيم للمبيت فيها، وأشعلت مواقد النيران أمامها للتدفئة. وأعلن أفرادها أنهم لن يغادروا الخيم ولن يتركوا المعرض حتى تؤمن الدولة مساكن لهم.
هذه الخطوة سلطت الضوء على أزمة سكنية مستجدة تتمثل في عدم قدرة مواطنين على دفع بدلات إيجار بيوتهم الشهرية، بعدما فقدوا أعمالهم أو تراجعت مداخيلهم، إضافة إلى طلب مالكي هذه البيوت من المستأجرين دفع هذه البدلات بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية، ما أجبر عشرات العائلات على ترك منازلها والإقامة في منازل أخرى، مثلما حدث مثلاً في منطقة البداوي قبل نحو شهر، قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في المعرض.
دخول العائلات بهذا الشكل إلى حرم المعرض كان موضع تناقض في مقاربته من قبل الطرابلسيين، معنيين ومواطنين، إذ فيما بدأت بلدية المدينة بشخص رئيسها رياض يمق البحث عن مكان بديل لهذه العائلات، كان البعض يدعوهم إلى المبيت في فندق «كواليتي ـ إن» المجاور، لأنه أفضل لهم من المبيت بالعراء في هذا الطقس البارد والعاصف.