وارتفع منسوب التهديدات المتقابلة من الطرفين: إيران تهدد بالرد، والولايات المتحدة تحشد عسكرياً، وسط معطيات تفيد بأن ترامب قد يلجأ إلى تنفيذ ضربة ضد إيران أو أهداف إيرانية قبل مغادرته البيت الأبيض. والاستنفار بين حزب الله وإسرائيل في كل من سوريا ولبنان مستمر، تحسباً لحصول أي تطور.
دول كثيرة تسعى لاحتواء التصعيد، واتصالات كثيرة تحصل لتجنب أي تطور يؤدي إلى انفجار الوضع. وفي النهاية سحبت الولايات المتحدة الأميركية حاملة طائراتها من المنطقة، في إطار تخفيف التوتر، فخرج المسؤولون الإيرانيون في تهديدات غير مسبوقة.
وتثبت التجربة أن التصعيد الكلامي والتوتر السياسي في مثل هذه المواقف، يعنيان أن فتيل التفجير قد سحب. لكن لا أحد يمتلك جواباً على ما إذا كان فعلاً فتيل التفجير قد سحب بين إيران وأميركا، أم سيبقى قائماً في سوريا ولبنان.
تماثيل في ديار إيرانية
ولكن في موازاة هذه التطورات التي لم تعد غريبة أو جديدة، تبقى الوقائع السياسية على حالها في إطار معارك بسط النفوذ. فلبنان وسوريا والعراق واليمن عناوين أساسية للمرحلة المقبلة. والأوضاع في هذه البلدان مرتبطة مباشرة بالمفاوضات الإيرانية الأميركية. ولا حل لأزمات هذه البلدان قبل موعد التفاوض المباشر بين الطرفين. وإلى أن يحين موعد المفاوضات، يستمر كل طرف في تعزيز نفوذه. وأحد جوانب تعزيز النفوذ، جزء جديد من الترميز دخل على ممارسات حزب الله، الثقافية والوجدانية والسياسية، بعدما حدث تحول جذري في سلوكه عقب اغتيال قاسم سليماني.
لم يكن من عادة الحزب أن يلجأ إلى تشييد التماثيل أو الأنصاب والأصنام. كان يطلق على شوارع معينة أسماء قادته ومسؤوليه، يرفع لهم صوراً ضخمة. وحتى الإمام الخميني لم يُصنع ويوضع له تمثال في لبنان، بل نصب تذكاري.
لكن حزب الله شيد لقاسم سليماني تمثالين: الأول نصبه في الجنوب، بعد أيام قليلة على اغتياله، ووجهه نحو إسرائيل. والتمثال الثاني هو الذي شيده ونصبه أمس في الضاحية الجنوبية لبيروت.
هذا النوع من التماثيل يكرس نموذجاً غير قابل للريبة والشك في أن بيئة سكان المناطق التي نُصبت فيها، إيرانية صرفة، والأراضي والديار التي يسكنونها إيرانية أيضاً.
الحدود والحكومة وإيران
يأتي نصب التماثيل مع تجديد القول الإيراني إن طهران تمسك بقرار بلدان عربية أربعة. ويتكامل ذلك مع كلام الحرس الثوري عن الصواريخ المتطورة في سوريا وغزة ولبنان والعراق.
لننتقل من الكلام السياسي الذي يركز على مبدأ التحشيد، إلى الكلام على تكريس الحضور الإيراني وجودياً وجوهرياً. فهذا النوع من الحضور تترتب عليه تبعات عميقة ومؤثرة على الواقع اللبناني كله. ولا يمكن الفصل بين الفوذ الإيراني وترسيم الحدود اللبنانية الجنوبية، حيث النفوذ الأكبر لإيران. ولا عن ترسيم الحدود اللبنانية مع سوريا. فإيران موجودة على جانبي الحدود اللبنانية والسورية. وأي خطوة على هذه الحدود تخضع للسيطرة الإيرانية.
وهذه حال تشكيل الحكومة أيضاً، وسط قناعة لبنانية تؤكد أن أي شيء في لبنان قابل للتحول إلى ورقة إيرانية.