وأشارت إلى أن “لبنان يتكبد منذ أواخر عام 2019 أسوأ أزمة اقتصادية واضطرابات سياسية واجتماعية يشهدها منذ عقود. إضافة إلى ذلك، بعد جائحة كوفيد-19 في بداية العام، وقع انفجار كبير دمر عاصمته بيروت في أغسطس من العام نفسه، فأدت هذه الأزمات المتداخلة إلى تفاقم معاناة السكان ودفعت بالآلاف إلى براثن الفقر. ويضاف كل ما سبق، إلى مسألة النزوح التي طال أمدها، حيث أن هذا البلد الصغير يستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى كل فرد في العالم”.
ولفتت المنظمة إلى أنه “خلال العام الماضي، لاحظ العاملون في عيادات أطباء بلا حدود زيادة في مستوى الحاجة بين أوساط المرضى. ويشكو كثيرون منهم من المشاكل المالية المرتبطة بالحال الاقتصادية للبلاد، والتي تحد من قدرة البعض على متابعة العلاج الطبي. وبات التأثير السلبي على الصحة النفسية للناس ملحوظا أيضا، ويمثل مصدر قلق كبير لمنظمة أطباء بلا حدود”.
وأشارت إلى أنه “وفقا للأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف سكان لبنان واقعون في شراك الفقر، وهذا المعدل يكاد يكون ضعف معدل العام الماضي. أما بالنسبة إلى اللاجئين السوريين الذين يعيشون في البلاد، يقدر أن 89 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع، أي أنهم يعيشون بأقل من 10000 ليرة لبنانية أي ما يعادل 2.5 دولار أميركي في اليوم للشخص الواحد، وفقا لسعر صرف البنك المركزي”، لافتة إلى أن “نظام الرعاية الصحية الشديد الخصخصة في لبنان يمثل في الأساس عائقا كبيرا أمام الأشخاص الأكثر حاجة في البلاد، والذين يعانون للحصول على رعاية ميسورة التكلفة. وجاء معدل التضخم السنوي، الذي قفز إلى أعلى من 133 بالمئة في تشرين الثاني 2020، ليضرب اللبنانيين واللاجئين على حد سواء، وقوض بشكل مباشر من قدرتهم على الحصول على الرعاية الصحية”.
واعتبرت أن “جائحة كوفيد -19 التي ضربت البلاد في الربيع والانفجار الكبير الذي تلاها في مرفأ بيروت في آب 2020، أديا إلى تفاقم الوضع المتردي أساسا في لبنان، ولحقت أضرارا إضافية بنظام الصحة العامة الضعيف، الذي كان يواجه بالفعل حالات نفاذ منتظمة للأدوية والإمدادات الطبية الأخرى بسبب الأزمة المالية. وإضافة إلى ذلك، تسبب انفجار 4 آب، الذي خلف آلاف الجرحى وأجبر مئات الآلاف على النزوح، بتدمير البنية التحتية، بما فيها مستشفيات عدة. كما تعرض المستودع المركزي لوزارة الصحة في الكرنتينا، حيث كانت تخزن كل الإمدادات الطبية الوطنية، لأضرار بالغة”.
وأعلنت أن “استطلاعا أجرته فرق المنظمة على عينة عشوائية من 253 مريضا من مرضانا المصابين بأمراض مزمنة، والذي عولجوا في إطار الاستجابة الطارئة لأطباء بلا حدود بعد الانفجار، أظهر أن 29 في المئة من المرضى كانوا توقفوا عن تناول أدويتهم أو قننوا في استهلاكها قبل الانفجار. وذكر نحو نصف هؤلاء المرضى أن الصعوبات المالية هي السبب الرئيسي الكامن خلف ذلك، في حين قال 11 في المئة أن السبب هو نقص الأدوية”.
وأشارت إلى أنه “منذ الانفجار ناضل النظام الصحي العام أيضا للتعامل مع العدد المتزايد لحالات الإصابة بكوفيد-19، والتي ارتفعت من أقل من 200 حالة يوميا قبل الانفجار إلى متوسط قدره 1,500 حالة يوميا في كانون الأول 2020. وحتى اليوم، يتجاوز إجمالي الحالات المبلغ عنها 199,000 حالة”، لافتة إلى أنها “منذ آب 2020، عززت استجابتها لمكافحة كوفيد-19 في لبنان بغية دعم نظام الصحة العامة المجهد في مكافحة الجائحة”، وقالت: “حولنا موقتا المستشفى الذي نديره في بر الياس في سهل البقاع إلى مرفق يعنى بكوفيد-19، تبلغ طاقته الاستيعابية 15 سريرا عاديا و5 أسرة عناية مركزة. وامتلأت وحدة العناية المركزة بالكامل منذ الأسبوع الأخير من أيلول 2020. وندير أيضا مركزا للعزل في سبلين في جنوب البلاد، بالتعاون مع الأونروا UNRWA. وعلاوة على ذلك، تجري فرق المنظمة اختبارات كوفيد-19 وتضطلع بأنشطة التوعية الصحية والتدريب في مواقع مختلفة في كل أنحاء لبنان”.
ولفتت إلى أن “إجراءات الإغلاق العام ساهمت، رغم ضرورتها، في تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الناس”، وقالت: “بالنسبة إلى الكثير من الناس في لبنان، سواء أكانوا لبنانيين أم لاجئين أم عمالا مهاجرين، تأتي الأزمة الاقتصادية الحالية وتدهور الظروف المعيشية على رأس الأحداث المؤلمة والتجارب المجهدة التي سبق واضطروا للتصدي لها، مثل النزاع أو النزوح. وتساهم عوامل الإجهاد المستمرة هذه في اختلال صحتهم النفسية، إذ تظهر على العديد من المرضى الذين يطلبون خدمات الصحة النفسية من منظمة أطباء بلا حدود في لبنان، أعراضا مرتبطة بالمعاناة النفسية والاكتئاب والقلق واليأس”.
رحيم
وفي هذا السياق، قالت نائبة المنسق الطبي لأطباء بلا حدود في لبنان الدكتورة كالين رحيم: “أدى الوضع الحالي إلى تفاقم حاجات السكان، فالضغط الاجتماعي والاقتصادي، في المقام الأول، جعل الكثيرين عاجزين عن تحمل تكاليف السلع الأساسية، بما فيها الغذاء. كما أن الرسوم الطبية أصبحت باهظة التكلفة بالنسبة إلى الفئات الأكثر حاجة في البلاد. ومن المتوقع أن يؤدي هذا السياق إلى تدهور ظروف السكان الصحية وتراجع قدرتهم على الحصول على الرعاية، وبدأت فرقنا على الأرض تشهد علامات تنذر بتدهور الوضع”.
أضافت: “نحاول قدر استطاعتنا تقديم المساعدة، ونحن ملتزمون مواصلة ذلك، لكن قدراتنا محدودة، ولا يمكننا الاستجابة لكل الحاجات، إنه لأمر محبط أن نرى معاناة السكان تتفاقم وعدد الناس الطالبين للدعم الطبي يتزايد”.