‘الكمامة’ تفضح الانهيار السياسي والصحي… حال الطوارئ تنسحب على الحكومة بعد فيديو ‘الفضيحة’

12 يناير 2021
‘الكمامة’ تفضح الانهيار السياسي والصحي… حال الطوارئ تنسحب على الحكومة بعد فيديو ‘الفضيحة’

انقسم المشهد اللبناني أمس بين انهيارين خطفا الأنظار ولو كل في مجال. فالمشهد الأول كان تحت عنوان الانهيار الصحي، حيث وقبيل ساعات من بدء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي أوصى بالاقفال التام، تهافت الناس على السوبرماركت والمخابز للتميون، ما شكل نوعاً من الاكتظاظ غير المسبوق، على وقع تخبط السلطة الحاكمة في موضوع الاستثناءات وطريقة تطبيق الطوارئ الصحية. 

الاّ ان الانهيار السياسي، أبى الا ّ أن يترك بصمته أمس من زاوية تأكيد المؤكد بان العهد يكمل بدأب الانقلاب على تكليف  الرئيس سعد الحريري ومنعه من تشكيل الحكومة مهما كان الثمن، عبر فيديو سُرب للرئيس ميشال عون يتهم فيه الرئيس سعد الحريري بالكذب، ما يضع الحكومة في “مهب الريح”.

الفيديو “الفضيحة”
اذاً، طغى المشهد السياسي أمس على المشهد الصحي، حيث استكمل رئيس الجمهورية، ومن خلف الكمامة، ما كان بدأه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يوم الأحد الماضي، ومن دون كمامة، لا سيما بعد تسريب الفيديو الذي يتهم فيه الرئيس المكلف سعد الحريري بـ”الكذب”، ناقلاً أزمة التشكيل إلى خلاف شخصي بينه وبين الحريري، وبين جمهورَين تبادلا القصف الكلامي العنيف على مواقع التواصل الاجتماعي، وواضعاً عملية التشكيل في حالة إقفال مفتوحة بكلمتين: “لا تأليف”.

ففي لقاء جمعهما قبيل انعقاد “جلسة الكورونا” في بعبدا، سأل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب رئيس الجمهورية: “كيف صار وضع التأليف فخامة الرئيس؟”، فأجابه، بحسب ما ورد في الفيديو الذي سُرّب وكتبت كلماته وسائل إعلام: “عم بيقول عطانا ورقة… عم يكذب… عمل تصاريح كاذبة، وهلق ليك قديش غاب، ليك حظّن هاللبنانيين.. وهلق راح ع تركيا، ما بعرف شو بأثر… ما في تأليف”.

وأثار اتهام عون للحريري بـ”الكذب” تغريدة عنيفة من الأخير استحضر فيها من سفر الحكمة في الكتاب المقدس: “إِنَّ الْحكمة لا تلج النَّفسَ السَّاعية بالْمكْرِ، وَلا تحلُّ فِي الْجسدِ الْمسْترقِّ للْخطيَّة، لأَنَّ روح التَّأْديب الْقدُّوس يهْرب من الْغشّ، ويتحوَّل عن الأَفْكار السَّفيهة، وينْهَزِمُ إِذَا حضر الإِثْم”.

وفهم من الفيديو المسرب في البداية أن الحريري لم يقدّم ورقة التشكيلة إلى عون الذي نشر تغريدة على حسابه الشخصي، في آخر لقاء جمعه بالرئيس المكلف، يذكر فيها استلامه تشكيلةً حكومية من الحريري الذي أعلن آنذاك أي في 9-12 -2020 وقبل مغادرته القصر تسليمه رئيس الجمهورية تشكيلة حكومية كاملة.

وتسبب التسريب بوضع دوائر رئاسة الجمهورية في حالة ارباك وتخبّط. وبحسب مصادر مقرّبة من بعبدا لـ”نداء الوقت، التي اعتبرت أن “شريط الفيديو هو من لقطات مقتطعة وليس كاملاً، وكان الحديث يدور في حينه عمّا يقوله الرئيس الحريري بأننا أعطيناه لائحة بأسماء وزراء. هذا كذب. لم نعطه لائحة بأسماء وبالتالي لم يقل عون ان الحريري لم يسلمه لائحة بالتشكيلة الحكومية لأنه سلمه لائحة فعلاً”.

ودخل “الاشتراكي” بالسلاح الثقيل على خط التصويب على بعبدا و”بيت الوسط” معاً. ولتمتين نظرية رئيسه وليد جنبلاط ودعوته الحريري إلى الاعتذار، اعتبر “الاشتراكي” في بيان ان هذا الفيديو “الفضيحة” يؤكد ما كان معروفاً سلفاً قبل التكليف من خلال رسالة رئيس الجمهورية التحذيرية الى النواب، وهو ما عاد وأثبته كلّ مسار التأليف، “بأنه وفريقه لا يريدان سعد الحريري لتشكيل الحكومة إذ يبدو ان فريق الممانعة قرّر أن تُشكّل الحكومة كما يريد، أو فلا حكومة ليستمرّ في الحكم من خلال حكومة دياب”.

وغمز “الاشتراكي” من قناة “بيت الوسط” سائلاً: “هل انتبه الذين عَوّموا رئيس حكومة تصريف الأعمال تحت عنوان رفض استهداف مقام رئاسة الحكومة، كيف عبّر هذا الرئيس عن احترامه لهذا المقام من خلال إنصاته وإصغائه الدقيق لكلام رئيس الجمهورية المقصود من دون أن يعلّق بكلمة؟”، في تذكير للحريري الذي ساند دياب بعد الادعاء عليه بحادثة انفجار المرفأ بأنّ الأخير لم يرد الجميل لا بتعليق ولا باعتراض على وصف الرئيس المكلّف بـ”الكاذب”.

ومع التعقيدات التي تزداد، وتعثّر الإفراج عن الحكومة، قالت مصادر مطّلعة على الملف الحكومي إن “التسريبات من شأنها أن تؤخر التأليف وتزيد من الصعوبات”، وتساءلت عبر “الأخبار” “ما إذا كانت هذه التسريبات مقصودة لدفع الحريري إلى الاعتذار”. ولفتت المصادر إلى أن ما قيل عن مسعى يقوده حزب الله بين عون والحريري لتقريب وجهات النظر وتعجيل التأليف، إذا ما صحّ، فإنه بالتأكيد بات أمام صعوبات وعراقيل أكبر.

وسط هذه السوداوية، واستمرار حالة الجمود على عملية تشكيل الحكومة، الاّ ان تطوراً حصل من شأنه فتح الباب امام تعويم وساطة البطريرك بشارة الراعي، حيث أفيد ان رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” السيد ابراهيم امين السيد اتصل أمس الاول بالبطريرك وعزّاه بوفاة شقيقه، كما تطرق الحديث بين الرجلين إلى الاوضاع العامة. وهذا الاتصال هو الاول بعد قطيعة طويلة بين الحزب وبكركي، وقد يمهد للقاء يسهم في تحريك المياه الحكومية الراكدة.

التفكك الحكومي 
النموذج السلطوي القاتم، رافق قرارات الطوارئ الحكومية على وقع حال التفكك والفوضى والتنافر التي ضربت آخر حلقة حكومية متمثلة في اللجنة الوزارية المعنية بمتابعة ملف كورونا. اذ ان الاجتماع الماراتوني التحضيري للجنة امس في السرايا برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب تغيب عنه وزير الصحة حمد حسن بسبب خلافات متجذرة ومتكررة بينهما وبين حمد ومستشارة دياب للشؤون الصحية. وأعلن الوزير حسن عدم حضوره جلسة اللجنة الوزارية الخاصة بـ”كورونا” لاعتراضه على القرار الذي اتّخذ من اللجنة قبل الأعياد. وطالب حسن بأخذ قرارات اللجنة العلمية في وزارة الصحة على محمل الجدّ “بسبب مقاربتها للواقع بشكل دقيق للوصول إلى بر الأمان والحد من انتشار جائحة كورونا”. ولاحقاً، اعلن دياب انه لن يرضى باتخاذ القرار من دون حضور حسن وبالتالي حضر الاخير إلى السرايا.
 
اما المشهد الصادم الثالث فكان شعبيا فوضيا بامتياز بما يثير مزيدا من المخاوف حيال التفلت الشعبي المخيف الذي طبع اتساع التفشي الوبائي لكورونا في الآونة الأخيرة، اذ ان هستيريا حقيقية سجلت طوال ساعات النهار والمساء امس لطوابير المواطنين المتهافتين على السوبرماركت ومتاجر المواد الغذائية وأسواق الخضار والفاكهة بلا تدابير التباعد والكمامات كما على الصيدليات والأفران الامر الذي يخشى ان يتكرر اليوم وغدا قبل بدء سريان حالة الطوارئ ومنع التجول الخميس وبما يفاقم الاختلاط وتناقل العدوى الفيروسية.

حالة الطوارئ 
وبعد اجتماعه الذي تأخر عن موعده ساعة بسبب الخلاف الذي حصل داخل اللجنة الوزارية، اعلن المجلس الأعلى للدفاع حالة الطوارئ الصحية وحدد إجراءاتها ومن ابرزها عدم اقفال المطار، ولكن الزام الوافدين من بغداد وإسطنبول وأضنا والقاهرة وأديس البابا بتدابير خاصة صارمة وتقليص حركة المسافرين لتصبح 20 في المئة، الطلب من الوزراء المعنيين تشديد الإجراءات التي يتيحها القانون وحالة التعبئة العامة، الزام المستشفيات الخاصة استحداث أسرة عناية فائقة تحت طائلة الملاحقة القانونية والطلب من الأجهزة الأمنية والجهات القضائية التشدد في تطبيق القوانين التي تعاقب المستشفيات عند عدم استقبال الحالات الطارئة بما فيها حالات كورونا، منع التجول بدءا من الخميس المقبل 14 كانون الثاني الحالي ولغاية صباح الاثنين 25 منه مع لحظ الاستثناءات، اقفال جميع الإدارات والمؤسسات العامة والجامعات والمدارس .

وأوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” أن ما خرج به المجلس الأعلى للدفاع من قرارات تحمل عنوان الطوارئ الصحية هو أقصى ما يمكن الوصول إليه لأن القرار تضمن حظر التجول صباحا ومساء وعليه فإن هناك تشديدا ومحاضر ضبط للمخالفين مشيرة إلى أن الأقفال شامل وليس هناك من أي مجال للتجمعات.

وقالت المصادر أنه عهد إلى الأجهزة الأمنية التشدد، كما طلب من الأجهزة القضائية التحرك لافتة إلى أنه طُرحت في الاجتماع تعديلات على توصيات اللجنة الوزارية لكورونا وتم الأخذ بها لاسيما ضمان سير عمل بعض المؤسسات التي لها تماس مع المواطن.

اللقاحات
وفي الشأن الصحي ايضا، قال رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي بعد اجتماع افتراضي للجنة: “قررنا بالتعاون مع وزارة الصحة اقرار قانون سريع للحصول على اللقاحات في الوقت المحدد، أسوة بكل دول العالم”. أضاف: “فايزر” و”موديرنا” حصلتا على استخدام طارئ وموقت لأن الأمر يحتاج الى مراقبة كل شخص تلقى اللقاح، وذلك كي لا يتم رفع دعاوى في حقهما، ونحن في لبنان ليس لدينا هذا القانون. وأكدت لنا شركة “فايزر” أن إذا أقر القانون اليوم فستسلمنا اللقاح قبل الوقت المحدد مع وزير الصحة”. وحذر من “اننا ذاهبون الى ارتفاع في الإصابات الخطيرة ونتمنى التزام التدابير الوقائية وبسبب الفوضى العارمة في الفترة السابقة ارتفعت الإصابات، كذلك الإصابات داخل المنازل ما أدى إلى ارتفاع الأرقام”.