‘كذّب فيها الحريري’.. هل كان تسريب فيديو لعون مقصوداً؟

13 يناير 2021
‘كذّب فيها الحريري’.. هل كان تسريب فيديو لعون مقصوداً؟

نشر موقع “الحرة” مقالاً بعنوان ”

 جاء فيه: لم يكن يكفي لبنان انعكاسات الأزمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت في مشاهد اللبنانيين يتهافتون على محال البيع والمراكز التجارية لتأمين تموين 10 أيام من الإغلاق التام وحظر التجول، فقد نجحت الأزمة السياسية أيضاً أن تخترق المشهد وتسرق الأضواء حتى من أصعب الكوارث التي تعانيها البلاد. 

ففي زحمة الأحداث المتسارعة في لبنان على وقع انتشار فيروس كورونا، خرج على وسائل إعلام لبنانية، تسريب مقطع مصور من اللقاء الذي جمع رئيس جمهورية لبنان، ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، قبل اجتماع المجلس الأعلى للدفاع.

الفيديو، الذي لم يسحب منه الصوت كما جرت العادة، تم توزيعه على وسائل الإعلام ويسمع فيه رئيس الحكومة يسأل الرئيس عون عن مصير تأليف الحكومة الجديدة المكلف بها سعد الحريري، ليرد عليه عون: “يقول عطاني ورقة .. بيكذّب، عمل تصاريح كاذبة، ليك قديش غاب.. ليك حظهن اللبنانيين، الآن ذهب إلى تركيا.. ما بعرف شو بيأثر”. 

من جهته الرئيس الحريري رد على عون عبر تغريدة له قال فيها “من الكتاب المقدس – سفر الحكمة “أنَّ الْحِكْمَةَ لاَ تَلِجُ النَّفْسَ السَّاعِيَةَ بَالْمَكْرِ، وَلاَ تَحِلُّ فِي الْجَسَدِ الْمُسْتَرَقِّ لِلْخَطِيَّةِ، لأَنَّ رُوحَ التَّأْدِيبِ الْقُدُّوسَ يَهْرُبُ مِنَ الْغِشِّ، وَيَتَحَوَّلُ عَنِ الأَفْكَارِ السَّفِيهَةِ، وَيَنْهَزِمُ إِذَا حَضَرَ الإِثْمُ”.

هذا التسريب أثار موجة ردود فعل كبيرة في لبنان، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تراشقاً وسجالات بين مناصري كل من تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، واتهامات متبادلة بالكذب، في حين عبر اللبنانيون عن انزعاجهم من الدرك الذي وصل إليه التخاطب السياسي كما إدارة البلاد. 

هل كان التسريب مقصودا؟
وقد تباينت الآراء في تفسير هذا التسريب، ففي حين اعتبر جزء كبير من اللبنانيين أن التسريب كان مقصودا، نفت أوساط قصر بعبدا، في تصريحات صحفية، هذا الأمر واضعة إياه في سياق الخطأ التقني، إلا أن كل الأطراف أجمعت على أن هذا التسريب من شأنه أن يعرقل تأليف الحكومة إلى أجل غير واضح ويزيد من تعقيدات المشهد السياسي في لبنان. 

النائب والوزير السابق، أحمد فتفت، يرى في حديث لموقع “الحرة” أن تسريبا من هذا المستوى لحديث خاص بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية لا شك أنه مقصود ولا يمكن أن يحصل بالصدفة.

وأضاف “لا أصدق الكلام الذي خرج في الإعلام عن أنه غلطة من المندوب الإعلامي في القصر الجمهوري الذي لم يطلع على التسجيل قبل إرساله.” مشيرا إلى أن هذا “الكلام أخلاقياً مرفوض من رئاسة الجمهورية، ويمثل في السياسة خطأً كبيراً، فرئيس الجمهورية يكذّب نفسه وما سبق له أن نشره على موقع تويتر بأنه تلقى من الحريري تشكيلة وزارية يتم بحثها”.

الحزب الاشتراكي، ألمح في بيان صادر عنه إلى أن هذا التسريب يعكس نوايا قصر بعبدا، وأضاف في بيانه أن “الفيديو الفضيحة جاء ليؤكد ما كان معروفاً سلفاً قبل التكليف من خلال رسالة رئيس الجمهورية التحذيرية إلى النواب، وهو ما عاد وأثبته كل مسار التأليف، بأنه وفريقه لا يريدون سعد الحريري لتشكيل الحكومة.

وتابع ” إذ على ما يبدو بالنسبة الى فريق الممانعة (حزب الله وحلفاؤه) إمّا أن تُشكّل الحكومة كما يريدون، أو فلا حكومة، ليستمروا بالحكم كما يريدون من خلال هذه الحكومة”.

في المقابل لم يكن وقع التسريب مفاجئاً أو محرجاً بالنسبة للتيار الوطني الحر أو لرئاسة الجمهورية، وهو ما ظهر في التصريحات التي جاءت عقب التسريب، حيث وصفت لجنة الإعلام في التيار الوطني الحر ما قاله رئيس الجمهورية بـ “الجرأة”، والتي لم تنفِ أو تعتذر عما ورد، بل تمسكت به معلقة على اجتزاء للكلام حصل خلال نقل التصريح عبر الإعلام اللبناني، وهذا ما عزّز فرضية تعمد التسريب.

خرق للأعراف والأصول
يعتبر فتفت أن المشكلة الخطيرة التي يبرزها التسريب هي أخلاقية بالدرجة الأولى “فهذا الكلام مهين له شخصياً ولموقع رئاسة الجمهورية ولعموم اللبنانيين، وتسريبه بهذه الطريقة يطرح علامة استفهام، هل هناك من يحاول من داخل القصر الجمهوري تخريب الأمور إلى أقصى حدود في البلاد؟ أم أنه بات هناك ضياع إلى درجة عدم الكفاءة في إدارة أبسط الأمور؟

ويضيف أن “استخدام هذا الكلام من رئيس جمهورية في هذا الموقع من المسؤولية، ضد رئيس حكومة مكلف، يعكس احتقاراً للمؤسسات الدستورية، فالأمور لا تدار بالمحبة والكره الشخصيين وبالمناكدات، هذا رئيس مكلف من قبل مجلس نيابي، وفقاً لطرح قدمه ونال عليه تكليف النواب الممثلين للبنانيين، وبالتالي هذه إهانة للمجلس وللنواب. وقبله كلام جبران باسيل يقول فيه إن رئيس الجمهورية يؤلف الحكومة ورئيس الحكومة يسمي الوزراء السنة، وهذا تجاوز للدستور، ويؤدي إلى صدام طائفي في البلد ودمار أكبر من الذي حصل حتى اليوم”.

من ناحيته، يؤكد الخبير الدستوري والمحامي، سعيد مالك، أن “ليس هناك فعلا جزائيا أو جرميا يستتبع إجراءات قانونية بحق رئاسة الجمهورية بسبب هذا التسريب، بقدر ما هو يقع في إطار الإدانة السياسة لهذا التصرف ولما أقدمت عليه الرئاسة الأولى بحق الرئاسة الثالثة وله أثر على الصعيد المعنوي، وعقدت تشكيل الحكومة أكثر. وبالتالي هو عدم احترام للأعراف وأضر بصورة الدولة ورئاساتها”.

ما الهدف من هذه التسريبات؟ 
يقول بيان الحزب الاشتراكي إنه “إذا كان ‘الصهر’ (في إشارة إلى باسيل) قال بالأمس إنه لا يأتمن الرئيس المكلف على تشكيل حكومة وإدارة شؤون البلاد، فإن ‘العمّ’ أكد اليوم الموقف ذاته”.

وهذا ليس رأي الحزب الاشتراكي وحده، وإنما وجهة نظر قسم كبير من اللبنانيين، الذين يرون في الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر سبباً أساسياً في عرقلة عملية تأليف حكومة جديدة يرأسها سعد الحريري، وذلك بعد انهيار التسوية التي كانت قائمة بين الطرفين في الفترة السابقة. 

تعليقاً على ذلك أكد فتفت أنه “لا حق لرئيس الجمهورية بتحديد من يتولى رئاسة الحكومة، فهو مجبور بالدستور أن يسمي من تسميه الأكثرية النيابية لا من يقبل به هو، بإمكانه فقط العرقلة من خلال توقيعه على مراسيم التأليف، ولكن العرقلة تصيب البلد، لكن للأسف فإن العرقلة هو نمط تفكير موجود لدى التيار الوطني الحر يمكن رصده على امتداد تاريخه السياسي.”

وأضاف “رأيي الشخصي أن ميشال عون وجبران باسيل لا يعملان لدى التيار الوطني الحر، وإنما لمصلحة حزب الله، وحزب الله لا يريد تشكيل الحكومة بل الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي”.

يذكر أن القانون اللبناني يفرض حصول الحكومة الجديدة المؤلفة على توقيعي رئيسها المكلف، ورئيس الجمهورية حيث نصت المادة 64 من الدستور (البند 2) على أن رئيس مجلس الوزراء (رئيس الحكومة المكلّف) يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها.

وبحسب المحامي مالك “ليس هناك مادة قانونية صريحة وواضحة تضع آلية أو مهلة للرئيس المكلف من أجل تشكيل الحكومة، فالرئيس المكلف ينال تسميته من السلطة التشريعية، وما من مهلة لتقديم تشكيلته إلى رئيس الدولة ولكن ضمن إطار الاجتهاد الإداري هناك ما يسمى بالمهلة المعقولة وهي استنسابية سنداً للظرف الذي تمر به البلاد”.

وأضاف “ونسبةً للظروف الحالية فإن المهلة المعقولة تحسب بالساعات إن لم نقل أقل، فالتأخير القاتل بتشكيل الحكومة يدفع بالبلاد إلى مزيد من الانهيار”. 

سلطات بديلة؟ 
بالإضافة إلى عرقلة تشكيل الحكومة والاعتراض على شخص الرئيس الحريري، خرجت اتهامات أخرى تطال عون، من بينها الانقلاب على اتفاق الطائف ومحاولة إدارة البلاد عبر سلطات رديفة خاضعة لنفوذه السياسي. كان أبرزها المجلس الأعلى للدفاع، الذي يلعب اليوم دوراً تنفيذياً مباشراً في إدارة أزمة كورونا. 

يرى فتفت أن عون وحزب الله يحلمون منذ قيامة اتفاق الطائف بتغييره، فهم كانوا معارضين له، لذلك يسيّرون البلد باتجاه تعطيل شامل للوصول إلى مؤتمر تأسيسي جديد وهذا خطر كبير اليوم على لبنان واللبنانيين، بسبب عدم وجود توازن قوى وسلاح وهيمنة في لبنان بوجود حزب الله، هذه مخاطرة كبيرة بلبنان وسلمه الأهلي في سبيل تقديم أوراق اعتماد لحزب الله وإيران طمعاً بتوارث وتوريث رئاسة الجمهورية. 

بالتوازي يحاول رئيس الجمهورية أن يجعل المجلس الأعلى للدفاع بديلاً عن الحكومة، ولكن إذا كانت النتيجة لعمل هذا المجلس، هي التي نراها اليوم في الشارع اللبناني، فتلك مصيبة، البلد في أزمة كبيرة جدا وبحاجة حكومة مهمة حقيقة وإصلاحات حقيقية، يستطيع المجلس أن يأخذ قرارات تنفيذية، لكن لا يمكنه إجراء إصلاحات جدية ولن ينال أي ثقة دولية.

من ناحيته، يؤكد الخبير الدستوري، سعيد مالك، أنه “وفقاً للمادة 65 في الدستور اللبناني فإن الحكومة هي السلطة المخولة بإدارة أمور البلاد والعباد وتضع السياسات العامة في كافة المجالات، ولكن اليوم هي في حال تصريف الأعمال، هناك محاولة من رئيس البلاد لتعويم دور المجلس الأعلى للدفاع، ولكن هذا الأمر لا يجوز قانونا ولا دستوراً، فصلاحياته محدودة وواردة في قانون الدفاع، بالتالي لا يمكن له أن يحل مكان الحكومة على الإطلاق، يعمل على ذلك في بعض المحطات، أكيد، لكن لا ينبغي أن يكرس الأمر كاجتهاد في المستقبل”.