ذروة كوفيد-19 تحدث اليوم. والسيناريو الأسوأ أن تصل حالات كوفيد-19 اليومية الى أكثر من مليون إصابة. هذا ما يُحكى عالمياً. فبماذا يُعلّق أطباء وباحثون لبنانيون إلتقوا، بكماماتهم، في إحدى الصالات وراحوا يحللون في الحاضر وفي الآتي؟
كثر الكلام في اليومين الماضيين عما تعبث به سلالة كورونا الجديدة في أجسام اللبنانيين، ومسؤوليتها في المشهدية الجديدة، مرتكزاً على كلام الإختصاصي في العلوم البيولوجية البروفسور فادي عبد الساتر الذي اكتشف مع أقرانه في مركز البحوث في الجامعة اللبنانية ظهور هذه السلالة في كثير من فحوصات PCR التي أجريت في مستشفيي الرسول الأعظم وبهنم. الفيروس اللئيم يُحدث في استمرار، كما كل فيروسات RNA طفرات جديدة، بمعدل طفرتين في الشهر الواحد، وتمرّ مرور الكرام، غير أنه نجح، في سلالته الجديدة، في إحداث تعديل لصالحه فراح ينشر عدواه أكثر بنسبة لامست سرعتها السبعين في المئة.
هو أصبح إذاً سريعاً جداً، أسرع من قدرة دول كثيرة على معالجة من “يضربهم” ويصيبهم إصابات مباشرة. لكن كيف للبنان أن يميز بين الإصابات العادية والإصابات من السلالة الجديدة؟ البروفسور عبد الساتر لاحظ، من خلال الفحوصات المخبرية، في كل من مستشفيي الرسول الأعظم وبهنم، إختفاء إحدى الجينات الثلاث التي كانت تظهر في فحوصات PCR ما يعني أن السلالة أصبحت تدور في لبنان وتضرب. الدراسة تتتابع. فكيف تحدث الطفرة؟ الفيروس ذكي ينشط في جسم المصاب حين تنخفض مناعته كثيراً ويتحور الى طفرة من نوع جديد مختلفة قليلاً أو كثيراً عما هو عليه. هذا ما حدث في لندن وانتقل إلينا بسهولة. هو ينتقل الى الأماكن الأسهل ونحن، لسوء حظنا، دائماً الأسهل. فلا تستهتروا بالآتي. إحموا انفسكم فالآتي قد يكون أفضل، إذا حوّر الفيروس نفسه لمصلحتنا، وقد يكون أسوأ إذا “تحوّر” بعد لمصلحته
نحن، مصائرنا، في رقبة فيروس غريب عجيب. كلام ومعادلات علمية وتحليلات وتكهنات. لكن، الى أين نحن سائرون؟ ما هو السيناريو المقبل الذي علينا ترقبه؟
أحد الحلول المتاحة هو اللقاح. فالعالم، ونحن منه، عليه أن يُسرع بضخّ اللقاح في عروق البشر. والى أن يحين ذلك، نحن، في لبنان وفي جنبات كثيرة في العالم في مرحلة جد حرجة. نحن في خضم موجة ثالثة من وباء كوفيد-19 والفيروس سيستمر بالإنتشار في هذا الفصل، في الشتاء، والقيود يفترض أن تشتدّ. والسؤال، هل يمكن لوصول اللقاحات أن يغيّر المسار؟ الثابت بالنسبة الى المعنيين أن حملة اللقاح لن تكون مرئية قبل صيف 2021. لذا الرهان سيبقى على الإختبار والتعقب والعزل والتعلم حول كيفية مواجهة هذا الوباء. سيستمر إذاً العالم مع استفحال الوباء في التعلّم. فماذا عن بلاد لا ولن تتعلم من أخطائها؟ فماذا عن استعداد لبنان مثلاً لإنشاء المستشفيات الميدانية لأن الكثيرين قد ينجون إذا وجدوا “أوكسيجين” يمدهم بهواء إصطناعي حين يشتدّ عليهم أذى الوباء وتعصى رئاتهم عن تنشق الهواء؟ الإختصاصي في الوبائيات الدكتور سليم أديب يتحدث عن ضرورة ان يعمل لبنان بأقصى طاقاته على تأمين علاج من يحتاج الى علاج من خلال فتح المستشفيات الميدانية، وهذا ممكن من خلال المساعدات الخارجية، والعالم قد لا يتركنا إذا شعر بجدّية في التعامل.
المستشفيات الميدانية… نبت على لسان الناس الشعر وهم يسألون عنها. وها قد دخل وزير الصحة حمد حسن الى المستشفى وأصبح الكلام عنها، اقله في الأيام العشرة الماضية، مجرد سؤال وكلام. فالدولة مسؤولة عن كل ضحية كورونا وعن كل إنسان يلفظه العمر ويستقبله الموت بسبب عدم وجود سرير. فأين المستشفى الميداني القطري؟ اين؟ نعم، الدولة اللبنانية مسؤولة.
أخيراً، وقعوا على القانون الذي يسمح باستيراد اللقاح واستخدامه. لكن، ماذا عن توزيعه؟ الدولة، نفس الدولة التي تلكأت عن توفير المستشفيات الميدانية، قالت انها ستوزعه وفق الأولوية المطلوبة ولكن، كما سأل سليم أديب: ماذا لو استخدمت نفس الخفة التي رأيناها في مطار بيروت، بلا أي إحترافية، في التوزيع؟ فالقرارات قد تبدو رائعة لكن التنفيذ الجدي مفقود.
لبنان غير سوريا وغير الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وطبعاً الصين. وبالتالي، بحسب الخبراء، يجب أن تنظر كل دولة الى حالِها، الى ناسها، لأن الفيروس يختلف مع مرور الوقت ونتائج ما نراه، أو ما قد نراه، يتأثر وبشدة بردود فعل حكومات الدول التي عليها أن تفكر “خارج الصحن” من أجل إعداد سيناريوات أساسية واضحة لبلادها، تحاكي أفضل الحالات كما الأسوأ لتدارك تبعاتها. هذا الكلام يجعلنا نقلق أكثر لأننا نعرف، ولمسنا لمس اليد ونستشعر، أن دولتنا ستأخذنا حتماً، في حالتِها، الى السيناريو الأسوأ. صحيح هي اتخذت اليوم قرار الإغلاق الكامل، ولو متأخراً، لكن الإنتشار السريع يحتاج الى رؤية بعيدة المدى. فهل لدى دولتنا والحكومة واللجان رؤية؟