لم تتعود فئات كثيرة على ملازمة المنازل في طرابلس، بعد الطائف، ولم تتمكن حتى الأحداث الأمنية التي شهدتها طرابلس وأبرزها العام 1997 و2000 و2005 وكل أحداث الجبل التبانة، من منعها عن عملها ومكاتبها وساحات عملها.
وربما وجد بعض أصحاب المهن راحة تنتج عن الحجر المنزلي، إلا أن البعض الآخر يبقى مجبرا، لا يزين له الحجر سلوكا يرى فيه تناقضا كاملا مع مبدأ العمل والسعي الدائم الدؤوب.
ومن أصحاب المهن التي لا تهدأ الصحافييون والمحامون والقضاة والأطباء على اختلافهم والمهندسون إلى جانب كل عامل مياوم يعتاش كل يوم بيومه.
ولعل ما يستقطب المتابعين لواقع الحال والحجر في طرابلس هو مصير الفئات الفقيرة التي يعتقد البعض أنها وعند حاجتها إلى المال والمؤن ستخرج سعيا في رزقها ومن هنا السؤال عن الحجر كسلوك بشري الزامي وعن مصيره فعلا في مدينة طرابلس والجوار حيث تسجل نسبة لا بأس بها من الالتزام.
مسقاوي
تقول الدكتورة المحامية لبنى مسقاوي ان الاقفال التام الحجر المنزلي هو “فرصة” لاعادة التفكير في الكثير من الامور وفي اشغال الوقت في مجالات قد لا تكون متاحة عادة في ايام العمل ، هذا اذا اردنا ان ننظر للقسم الملآن من الكوب ، اي ان ننظر بايجابية للحبس الالزامي الذي فُرِض على معظم سكان المعمورة. إذ انك اولاً، تفكر انك لست لوحدك محجورا، بل انت واحد من مئات الملايين في العالم في وضع مماثل ، وهذا يدفع عنك تلقائيا الشعور السلبي في رأي ، و يدفعك لتقبل الامر بمقدار من الواقعية . وثانيا ، إنَّ الجائحة بما فرضته من توقف للعمل و ابتعاد عن المجتمع، هي فرصة للتأمل في كثير من الأحوال . هي فرصة اولا لاستشعار نعمة الصحة ، و هي فرصة لاعادة صياغة الاولويات في الحياة بعيدا عن الفكر الاستهلاكي و حب الظهور الاجتماعي ، الذي انجرّ اليه المجتمع بدرجات متفاوتة في السنين التي خلت. دون ان ننسى فرصة اعادة الاعتبار لمعنى اجتماع العائلة الصغيرة لساعات طويلة تحت سقف واحد طيلة مدة الحجر و تمتين الروابط بين افرادها الذين شغلتهم الحياة حتى عن اقرب الناس اليهم.
ثالثا، ان الحجر فرصة لاستثمار الوقت في مجالات لم يكن لدينا الوقت الكافي لولوجها. فالقراءة استعادت موقعها في حياتنا، وكذلك التوجه نحو تنمية المهارات في كثير من المجالات التي وفرتها مواقع اكادمية وثقافية عالمية مهمة على الانترنت خلال فترة الحجر.
بالنسبة لمدى نجاح الاقفال في طرابلس
وعن مصير الحجر في مدن الفيحاء تقول: “حتى الآن يبدو الالتزام معقولا، ولكن استمراره رهن بعوامل متعددة ، اولها ارادة الدولة في فرض الاقفال بصورة فعالة، فالدولة هي المرجع الاول والاخير في فرض فعالية الالتزام. ذلك ان خاصية القسر والالزام caractère coercitif هي التي تضمن تطبيق القانون القرارات الصادرة عن الدولة بالفعالية المطلوبة. فالدولة هي هيبة بالمقام الاول و لا فعالية للقوانين و التدابير مهما كانت متقدمة ما لم تقترن بتدابير قسرية تؤمن تطبيقها من دون استثناءات. وبرأيي فإن معظم المواطنين بدأوا يخافون فعلا من الانتشار الكارثي للفيروس المقترن بالارتفاع المطرد لعدد الوفيات مما ساعد في الالتزام بالحجر”.
و لكن تتابع مسقاوي قائلة… هناك الوضع الاقتصادي السيء الذي يعاني منه الطرابلسيون حيث ان اكثر من نصفهم يعيش دون خط الفقر، ويفترض تأمين الدعم للعائلات المحتاجة كي تتمكن من الاستمرار مع الالتزام بالحجر والاقفال. ولا بد من التنويه بالدور الجبار للعمل الخيري في المدينة ان على صعيد الجمعيات او على صعيد الافراد والذي يشكل دعامة اساسية في الاستمرارية اليومية لحياة العائلات الاكثر فقرا. هذا العمل الخيري، الذي يميز هذه المدينة، والذي يشكل بقعة ضوء في عتمة غياب الدولة لا يكفي، على اهميته، لتأمين مقومات العيش الكريم للعائلات المحتاجة وهو قد يشكل النقطة الضعيفة في امكانية استمرار الاقفال كما هو مأمول.
فالمطلوب، كما هو معروف، ان تؤمن الدولة الدخل البديل للمواطن كي يبقى في منزله.
لا نطالب الدولة، كما فعلت الدول المتقدمة، ان تعوض على كل الشرائح حتى المؤسسات التي الزمت بالاقفال، ولكن نطالبها باضعف الايمان و هو تأمين القوت اليومي للاكثر فقرا للاستمرار. والا فإن الاقفال سوف يتراخى يوما بعد يوم.
الرفاعي
وتتحدث الإعلامية روعة الرفاعي عن أن مخاوف الناس مع ارتفاع نسبة الإصابات بالكورونا وبالتالي ارتفاع نسبة الوفيات بدت واضحة للعيان من خلال الالتزام بالاقفال العام المفروض للحد من انتشار الفيروس، لكن في المقابل يبقى السؤال المطروح هل ان الالتزام سيستمر بنفس الوتيرة مع الايام المقبلة؟؟؟؟
وتقول: أعتقد بأن الأمر سيتغير بشكل تدريجي في ظل الأوضاع الإقتصادية السيئة والتي لا يقابلها أي نوع من المساعدات التي تدعم المواطن للبقاء في منزله، وعليه فان الاجراءات الوقائية قد لا تفلح بمجرد ازدياد حاجات الناس الى تأمين لقمة العيش، وهنا فان الصراع بين مواجهة الفيروس ومواجهة الفقر سيبدو على أشده في الأيام المقبلة، والتشدد من قبل القوى الأمنية لن يؤتي ثماره مع المواطن المقهور والذي يعاني أزمات جمة جراء ارتفاع سعر الدولار والبطالة المستشرية مما يضطره ” للكفر بكل التدابير” والوقوف في وجه السلطة التي لا تظهر أي أستعداد للحد من التدهور الحاصل”.
وتشدد بالتالي على ان: لبنان يعيش أصعب المراحل والمواطن المقهور لا يمكنه القيام بأي خطوات ايجابية وان الشارع كان وسيبقى الوجهة الوحيدة للتعبير عن رأيه.
وعن التهافت على محلات السوبرماركت للتبضع أشارت إلى انه لم يشمل كل المواطنين، وهناك فئات كثيرة لا تملك “الفتات” في منزلها الأمر الذي قد يؤثر على الالتزام والتقيد بالبقاء في المنازل خاصة وأننا لم نلمس حتى الساعة أي شيء من المساعدات المالية والتي تحدثت عنها الدولة (الحكومة).
وختمت برأي أن عوامل الطقس في اليومين الماضيين قد ساهمت في ارتفاع نسبة الالتزام بالاقفال لكن ذلك لن يستمر طويلا مع عنصر الجوع الذي يفتك بالغالبية العظمى من المواطنين خاصة في الأحياء الشعبية لمدينة طرابلس والتي تعاني الكارثة حتى من قبل ثورة 17تشرين فكيف الحال اليوم مع التدهور الحاصل والغلاء المستشري؟؟؟ اننا نحذر من الأيام المقبلة ومخاوفنا كبيرة على كافة الصعد الصحية والأمنية كل ذلك جراء الفقر الذي احتل كل البيوت.