لا تكتفي الجمهورية الاسلامية الايرانية بما تملكه حتى اليوم، من نفوذ في الميادين العربية، ومن سيطرة عسكرية – سياسية، على اراضي العديد منها – وقد أعلن منذ ايام قليلة فقط، قائدُ سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده، أن “كل ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية، تم بدعم إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة مع اسرائيل”- بل تريد توسيع سيطرتها اكثر وتثبيت أسسها أعمق في هذه المناطق، بوسائل مختلفة.
جديد أساليب طهران لترسيخ أواصر الترابط بين اهل محورها، والذي سيتيح لها الاستفادة ممّا زرعته طوال عقود، سُجّل أمس، وفق ما تقول مصادر سياسية سيادية.
فقد أٌعلن عن إعداد “مشروع قرار” قيد الإقرار في البرلمان الإيراني لإنشاء “معاهدة دفاعية أمنية” تضم مختلف الدول الخاضعة لـ”محور المقاومة” ضمن إطار استراتيجية موحدة للدفاع، تنصّ على وجوب أن تبادر المجموعات المسلحة في هذه الدول (التي أطلق عليها المشروع اسم “حركات التحرر الأعضاء في هذه المعاهدة” التي تحظى بتأييد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني)، الى “تقديم الدعم الشامل من كل النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية حتى درء الخطر” المتأتي عن أي اعتداء إسرائيلي يقع على أي من الأراضي المشمولة بهذه المعاهدة.
نعم، وكأن لا دولة ولا سيادة ولا قانون، في محيطها، تتصرّف ايران. لا يهمّها ما يقوله اللبنانيون او اليمنيون او العراقيون او السوريون، ولا رأيهم في المواجهة مع اسرائيل وفي كيفية مواجهة الكيان العبري، وفي ما اذا كانوا يرغبون في الدخول في حروب او لا يرغبون… ما يهمّها هو انها زرعت في هذه البلدان مجموعاتٍ، وسلّحتها وغذّتها وكبّرتها، حتى تتمكّن من تحريكها متى تدق الساعة:
هكذا، تتابع المصادر، إذا ضُرب الحشد الشعبي في العراق مثلا، على حزب الله أن ينتقم له من لبنان.
لا موقف لمجلس الوزراء اللبناني في هذا القرار السيادي، ولا كلمة للشارع اللبناني او للقوى السياسية اللبنانية… فالمعاهدة تقول “اذا استُهدف احد أضلع المحور الممانع، على نظرائه ان يهبّوا لنجدته”!
صحيح ان القانون هذا لا يزال “مشروعا” (اي أنه لم يكتمل بعد)، الا ان مجرّد النقاش فيه، يدل على الطريقة التي تنظر فيها ايران الى لبنان وباقي الميادين التي تشملها المعاهدة: هي مجرّد ساحات لا اكثر، لا حدود لها ولا سيادة ولا قانون ولا دولة.. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحال هو: اين لبنان الرسمي مما طرح؟ أين العهد ورئيس الجمهورية وما موقفهما من هذا السلوك الفوقي الاستكباري الذي يتجاوز كل الاطر الدبلوماسية والسياسية والوجودية والكيانية والسيادية التي يجب ان تحكم العلاقات بين الدول؟ هل سيبقى ساكتا عن هذا الطرح ام سيستدعي السفير الايراني لرفع الصوت ضدّه، وينتفض لسيادة لبنان واللبنانيين؟
الجدير ذكره هو ان هذا الاقتراح صدر ساعات قليلة بعيد مشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس، عبر الفيديو في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر البرلماني الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية الذي تستضيفه العاصمة الايرانية طهران، تحت عنوان “يوم غزة رمز المقاومة”، حيث قال “اجدد من لبنان الذي يرزح تحت وطأة أزمة سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية وصحية هي الاخطر بتاريخه ناهيك عن حصار غير معلن لدعمه المقاومة ورفض الرشوات المالية والاغراءات شرط التخلي عن التزاماته بالقضية الفلسطينية”.
ودعا الى التمسك بخيار المقاومة، مضيفا “نؤكد رفضنا ومقاومتنا لاي محاولة لفرض التوطين تحت اي عنوان من العناوين”.