العقد على حالها
وفي حين لم تظهر اي نتائج بعد للحراك الذي قام به البطريرك الماروني بشارة الراعي والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، لمحاولة كسر الجدار السميك بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، رأت مصادر سياسية متابعة للوضع “يبدو ان المسألة باتت اكبر من الرجلين وهي بحاجة الى تدخل من نوع آخر ربما خارجي، او بحاجة الى عجيبة كبرى في زمن انتهت فيه العجائب”، وفي حين لم يظهر ايضاً ما يوحي برغبة الرئيس نبيه بري وحزب الله حتى الان بالتدخل، فيما لازال الامل قائماً بتدخل فرنسي ما بعد الاتصال الذي جرى امس الاول بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والاميركي جو بايدن، وتطرقا خلاله الى الوضع اللبناني.
وعلى خط الاتصالات زار المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم النائب باسيل في منزله في اللقلوق، وجرى البحث في إمكانية استئناف المساعي لتأليف الحكومة، على أساس معادلة تنازلات في ما خص وزارة الداخلية، لجهة تسمية مرشّح يقبل به الرئيس المكلف، وتسمية وزير للعدل يقبل به فريق رئيس الجمهورية.
وحسب معلومات “اللواء” فإن مهمة إبراهيم واجهت استمرار تعنت رئيس التيار الوطني الحر.
اما في بكركي، فتنقل المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ البطريرك الماروني هو من بادر إلى استدعاء المستشار الرئاسي إلى بكركي لاستيضاحه عن مستجدات عملية التأليف والوقوف على آخر التطورات من منظار قصر بعبدا، خصوصاً بعدما لم يلقَ الراعي أي تجاوب حيال نداءاته المتكررة التي حثّ فيها عون على الاتصال بالرئيس المكلف ودعوته إلى استئناف اللقاءات بينهما رداً للاعتبار بعدما تعرّض للإهانة اللفظية في الفيديو المسرّب من القصر الجمهوري، “فكانت المفاجأة بأن سمع من جريصاتي كلاماً واضحاً وحازماً يؤكد أنّ رئيس الجمهورية لم يعد راغباً باستمرار الحريري في مهمة تشكيل الحكومة”، ومن هذا المنطلق عكست رسالة عون إلى الراعي “تمنياً صريحاً بعدم تكرار مناشدته الاجتماع مع الحريري لأنه لم يعد يرى أي جدوى من عقد لقاءات معه”.
إزاء ذلك، تشير المصادر إلى أنّ منسوب الاستياء ارتفع في أجواء بكركي مما بلغته الأمور من تعقيدات وتصلب بالمواقف في عملية تشكيل الحكومة، وهو استياء جسدته عظة الراعي الأخيرة حين خاطب المسوؤلين بالقول: “ألا تخافون الله؟”، مصوّباً بشكل مباشر على كون المشكلة ليست دستورية ولا تتعلق بتفسير مادة من الدستور حيال الصلاحيات الرئاسية في عملية التأليف.
وبينما وصلت أصداء رسالة عون إلى بيت الوسط تأكيداً على رغبة بعبدا بإقصاء الحريري عن مهمة التأليف وإقفال الأبواب أمامه لدفعه إلى الاعتذار، تفيد المعطيات المتوافرة بأنّ الرئيس المكلف يتعامل مع الموضوع على قاعدة “الرسالة وصلت” من دون أن يبدي أي نية بالتصعيد مباشرة، مفضلاً التروي وعدم الانزلاق إلى ساحة الكباش الطائفي الذي يحاول باسيل جاهداً دفعه إليها لشدّ العصب المسيحي حوله. وعليه، تتوقع المصادر أن يبقى الحريري على تريثه بانتظار تبلور الصورة نهائياً، مع الإعراب عن اعتقادها بأنه في حال عدم حصول أي خرق جوهري في مشهد المراوحة الحاصلة، فقد يعمد الحريري إلى “كسر الجرة” مع عون ومصارحة الناس بمسببات إجهاض التشكيلة الوزارية الإنقاذية في ذكرى 14 شباط المقبلة.
عودة فرنسية ؟
وشكل الاتصال الأول بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اول من امس بارقة امل ولو ضعيفة ونادرة للأوساط التي لا تزال تراهن على ان الضغوط الفرنسية والدولية عموما وحدها قد تدفع الازمة الحكومية الى منافذ الحلول بعدما ثبت ان التعنت الداخلي لم يكن وحده سببا أساسيا للازمة وانما البعد الإقليمي الذي تتحكم به ايران تحديدا لعب ويلعب دورا خطيرا في ديمومة الازمة وإطالتها. وانكشف هذا البعد بقوة من خلال البيان الذي أصدره الاليزيه عن اتصال ماكرون وبايدن لجهة حصر البحث والإعلان عن النية في التعاون بينهما في ملفي ايران ولبنان، بما يعني ان ثمة خلفية واضحة لدى الرئيسين حيال ربط مجريات الازمة الحكومية اللبنانية بالنفوذ والتأثير الإيرانيين.
وأفاد مراسل “النهار” في باريس ان البيان الذي صدر مساء الاحد عن قصر الاليزيه واشار “الى تقارب واستعداد للعمل معا من اجل السلام والاستقرار في الشرقين الادنى والاوسط ولا سيما بشان الملف النووي الايراني والوضع في لبنان” يؤكد مجددا الالتزام الفرنسي المستمر بالملف اللبناني وهو يشكل بادرة امل جديدة تعبر عن استمرار الاهتمام الدولي بلبنان . فالرئيس ماكرون ما زال مصمما على وضع لبنان من ضمن اولوياته والاشارة الى البحث والتشاور بالملف الإيراني والملف اللبناني وهما متصلان تؤكد الاهمية التي تريد باريس ان تعطيها لهذا الملف وحرصها على ايجاد حل للازمة اللبنانية رغم المصاعب التي تواجهها لتامين اقرار الاصلاحات لايصال المساعدات .
وترى مصادر سياسية لـ”اللواء” ان تطرق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى موضوع لبنان في أول اتصال يجريه مع الرئيس الاميركي جو بأيدين بعد ايام معدودة من تسلمه لمهماته الدستورية، يدل على استمرار اهتمام الرئيس الفرنسي بلبنان والعمل على مساعدته برغم محاولة بعض الأطراف اللبنانية الالتفاف على المبادرة الفرنسية ومحاولة تعطيلها.
وتوقعت المصادر ان تأخذ مفاعيل التحرك الفرنسي مع الإدارة الاميركية الجديدة تجاه لبنان بعض الوقت اكثر مما هو متوقع ريثما تستكمل التعيينات في المواقع الاساسية بالادارة الجديدة ويتم التواصل بخصوص ملفات المنطقة وكيفية التعاطي مع لبنان. واذ كشفت المصادر عن سلسلة اتصالات فرنسية مع بعض الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة الجديدة في الأيام الماضية لدفع عملية تشكيل الحكومة الجديدة قدما إلى الأمام، اعتبرت ان العلاقة الفرنسية الجيدة مع ادارة بايدن، ستساعد كثيرا في إعادة تحريك تنفيذ المبادرة الفرنسية وانعكاسها ايجابا على مسار تشكيل الحكومة الجديدة المجمد حاليا.
ويعتقد مصدر مطلع على مواقف بعبدا، ان ثمة من يهمس بإذن المسؤولين ان التغيير الذي حدث على مستوى الإدارة الأميركية يصب في خدمة دعم موقف النائب جبران باسيل، المتشدد، والذي تماهى معه موقف الرئيس عون لجهة ان رئيس الجمهورية ليس بوارد القبول بالآلية المعتمدة في تأليف الحكومة، وهذا ما نقله إلى بكركي الموفد الرئاسي، الذي زار المقر مرتين أو أكثر، لجهة ان عون لن يترك الحريري يسمي الوزراء المسيحيين أياً كانت الحسابات والمترتبات على هذا الموقف.
وتحدثت مصادر دبلوماسية غربية عن ان الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، تشجّع فرنسا على المضي في المبادرة حول لبنان، الأمر الذي يمكن ان تتبلور إمكانيات جديدة، للعمل على تقليص مساحة الاختلاف، والنفاذ من هناك إلى حكومة جديدة.
ولم تستبعد المصادر ان يعاود الاليزيه التحرّك، ويوفد شخصية جديدة إلى بيروت، مع العلم ان التواصل مستمر بين السفيرتين الأميركية والفرنسية في بيروت.
وسرت توقعات بان يقوم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بزيارة لباريس فيما تفيد المعطيات ان الحريري قد يطلق مواقف بارزة جدا من الازمة الحكومية وتعطيل تشكيلها في الكلمة التي يتوقع ان يلقيها لمناسبة ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط المقبل.
في المقابل، لفتت حسب مصادر دبلوماسية، الى انه لم تصل إلى وزارة الخارجية اللبنانية اي معلومات تفصيلية حتى الان عما دار بين الرئيسين الاميركي والفرنسي في الاتصال حول لبنان. وقال وزير الخارجية شربل وهبه لـ”اللواء” أن ما وصل الينا ان الرئيسين تداولا في العناوين العريضة للقضايا المشتركة ومنها الوضع اللبناني، على ان يتواصلا لاحقا للبحث في التفاصيل. ونحن نؤكد على اهمية الدور الفرنسي في مساعدة لبنان، لكن على المسؤولين اللبنانيين ان يأخذوا زمام الامور بأيديهم، فلن يمنع احد ان يجلس الرئيسان عون والحريري وحتى الرئيس نبيه بري في جلسة حوار ونقاش وطني للبحث في كيفية إخراج البلد من مشكلاته، الخارج يكون مساعدا لنا، لكن نحن من يجب ان يقرر حل مشكلاتنا بأيدينا.
وتخوفت مصادر متابعة من انقلاب بعبدا على تكليف الرئيس الحريري، استفادة من الرهان على الإدارة الأميركية الجديدة.
السنيورة: نعمل على بناء تفاهم وطني مفتوح
وفيما لم يسجل أي جديد على المستوى السياسي الداخلي، صرح رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة لـ”النهار” “إنّنا نعمل على بناء تفاهم وطني مفتوح على كلّ الناس، قائم على مجموعة مبادئ وقواعد ينبغي أن تشكّل محدّدات هذه البوصلة عبر العودة الى الدستور الذي يعتبر منظّم العلاقات بين اللبنانيين”. وكشف انه يعمل على هذا الموضوع مع رؤساء الحكومة السابقين ورؤساء جمهورية سابقين (مع الرئيسين أمين الجميّل وميشال سليمان)، وحتى الآن لا نستطيع القول إنّ العمل أنجز، لأننا لم نتفاهم على كلّ النقاط والنقاش لا يزال مفتوحاً بيننا، لكنّنا تقدّمنا في المسعى الذي نقوم به وتجمع نقاط مشتركة وطنية كثيرة بيننا”. واشار الى أنّه “لا يمكن أن نتكلّم الآن لأنّ المسعى لا يزال في المطبخ، علماً أنه لا يمكن تحديد مواعيد لولادة التفاهم وكلّما أسرعنا يكون ذلك أفضل. الورقة صارت جاهزة ونحن نتداول بها”.
منصة اللقاحات
في غضون ذلك بدأت معالجات ازمة الانتشار الوبائي تتركز على إستكمال الاستعدادات لانطلاق مرحلة التلقيح في لبنان في الأسبوع الأول من شباط المقبل. وعقد وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن اجتماعا موسعا تحضيرا لمرحلة اللقاح، مع ممثلي مجمل النقابات المعنية بالقطاعين الصحي والطبي، المدنية والعسكرية بهدف الاتفاق مع النقابات على حصول تسجيل قطاعي من خلال لوائح تعدها النقابات. وتم التأكيد أن المنصة الرسمية للتسجيل للقاح ستطلق اليوم وأن كل المنصات التي تم تداولها حتى الآن زائفة. كما تم التوضيح ان للمنصة الرسمية خصائص تضمن فعاليتها، فهي ستستخدم نظاما خاصا يحول دون حصول تضارب في مواعيد التلقيح، على أن يتم تحضير لوائح انتظار إضافية في حال طرأ تأخير في تنفيذ المواعيد المحددة. وسيتلقى الشخص المسجل على المنصة رسائل متعددة على مدى مرحلة التلقيح للتأكد من هويته وربطه بصفحة خاصة به لتبليغه بالمواعيد وبشهادة التلقيح وتلقي أي معلومات عن آثار جانبية من الممكن حصولها. وأوضح وزير الصحة ان المنصة التي سيتم إطلاقها اليوم، ستعتمد اللوائح التي ستقدمها النقابات والمجموعات والإدارات، بحيث يكون العاملون فيها والنقابيون من ضمن تسجيل قطاعي موحد مما يخفف الضغط.
واكد عضو لجنة متابعة كورونا مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية الدكتور وليد خوري لـ”اللواء” أن الوضع لا يزال غير مريح بفعل استمرار الارتفاع في إصابات كورونا وأشار إلى أن هذا الارتفاع يؤشر إلى انتشار السلالة الجديدة للوباء في لبنان وهذا ما أظهرته نتائج المختبرات مبديا تخوفه من هذا الأمر.
وأوضح الدكتور خوري أن الأقفال من شأنه المساعدة شرط التزام المواطنين بالإجراءات الوقائية ومنع الاختلاط حتى في المنازل.
وفي موضوع اللقاح لفت إلى أن ما أقدم عليه المعنيون في تنظيم تأمينه مقبول معتبرا أن ما من وساطات وهناك منصة ستطلق ومن يريد الحصول على اللقاح عليه أن يتقدم من خلالها بالطلب. وأكد أن المهم هو التطبيق.
وأفاد أن وزارة الصحة هي المشرفة على هذا الأمر وقامت بجهد لجهة العمل على تدريب الطواقم في المراكز المعتمدة لهذه الغاية. واذ شدد على أن هناك ٤٠٠ شخص سيصار إلى منحهم اللقاح يوميا لفت إلى أن الأيام المقبلة ستظهر الإمكانية في السير بذلك.
ولفت إلى أن لبنان يسير بتوصيات منظمة الصحة العالمية في ما خص اللقاحات.
الفقر يوسع بيكاره
وفي الغضون، لا يزال المواطنون يكابدون أعباء الانهيار الطاحن اجتماعياً واقتصادياً ومالياً وصحياً وسط تدحرج كرة غضب شعبي تنذر بعودة الشارع إلى التحرك رفضاً لتردي الأوضاع الحياتية والمعيشية في ظل الإقفال التام. وبدأ تراكم الامتعاض في المناطق تحديداً مع قرار تمديد الإقفال حتى الثامن من شباط المقبل، ليتفاقم التوتر في صفوف الناس خلال اليومين الأخيرين في عدد من المناطق، لا سيما في عاصمتي الجنوب والشمال، حيث تزايدت الاحتجاجات على الأرض وتخللها بعض الاحتكاكات بين المتظاهرين والقوى العسكرية والأمنية في طرابلس.
وتوضح مصادر ميدانية أنّ العديد من المواطنين باتوا يعيشون تحت مستوى خط الفقر فأتى قرار الإقفال العام ليمعن في إفقارهم تحت وطأة انعدام التقديمات الاجتماعية والمساعدات من الدولة، علماً أنّ أغلب المحتجين هم ممن يعملون مياومةً ولا يستطيعون تأمين قوت يومهم طيلة فترة الإقفال القسري، محذرةً من أنّ الالتزام الشعبي بهذا القرار “تخلخل” بشكل ملحوظ خلال الساعات الأخيرة، وسط تسجيل حالات تسيّب وفلتان سادت في بعض المناطق جنوباً، وبشكل خاص في النبطية، بينما الأمور على أرض الواقع تشي بأنّ رقعة الاحتجاجات آخذة بالاتساع شمالاً.