الأرض تهتزّ من جديد… الجوع يُخْرِج الشارع من القمقم

27 يناير 2021
الأرض تهتزّ من جديد… الجوع يُخْرِج الشارع من القمقم

لم تُخالِف «صحوةُ» الشارع الغاضب الذي تتمدّد تحركاته الاحتجاجية على الواقع المعيشي كـ«بقعة الزيت»، الإشارات السبّاقةَ التي ارتسمت عشية دخول لبنان المرحلة الثانية من قرار الإقفال الشامل لزوم مواجهة الموجة الأقسى من «عاصفة كورونا»، فيما السلطةُ في «غيبوبةٍ» ومأخوذة بمنازلةٍ صارت مدجّجة بأبعاد «إلغائية» على تخوم مأزق تأليف الحكومة بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري في توقيتٍ بدا من الصعب عزْله عن رقعة الشطرنج الإقليمية وما تستوجبه حقبة ما بعد تَسَلُّم جو بايدن الحُكْم من الاحتفاظ بأحجار للدفع بها وفق ما تقتضيه ظروف معاودة تحريك ملفات المنطقة وأبرزها النووي الإيراني ومتفرعاته.

وطغى على المشهد اللبناني أمس، زنّار الاحتجاجات التي تصاعدت منذ مساء الاثنين، على شكل تجمعات وقطع طرق تركّزت أولاً في عاصمة الشمال قبل أن تتمدّد في ثلاثاء صاخب عمّ معه قفل أوتوستردات وطرقاً رئيسية مناطق عدة في الشمال (طرابلس والبداوي) والجنوب (صيدا – بيروت ومنطقة الجية) والبقاع (تعلبايا وشتورا)، وصولاً إلى بيروت وتحديداً في كورنيش المزرعة ونزلة الحص ونفق سليم سلام بعد تحرّك موْضعي أول من أمس، عند نقطة «الرينغ».

وإذا كان المشترَك بين هذه التحركات الاعتراض على قرار الإقفال التام (والمحاضر التي تُسطَّر بحق المخالفين) والمرشّح لتمديد ثالث بعد 8 فبراير بما يلاقي وصول الدفعة الأولى من لقاحات «فايزر» وبدء حملة التطعيم، فإن «هبّة الغضب» في طرابلس، التي سبق أن وصفها البنك الدولي بأنها المدينة الأكثر فقراً على ساحل المتوسط، استقطبتْ الأضواء نظراً للمواجهات العنيفة والطويلة التي شهدتها ليل الاثنين بين شبان وقوات الأمن التي رُشق عناصرها بالحجارة وردوا باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ما تسبب ‏بإصابة أكثر من 30 شخصاً بجروح غالبيتها طفيفة.

ورغم أنه لم يكن ممكناً الجزمُ بما إذا كانت جهة محددة تقف وراء هذه الاحتجاجات، ولا سيما أن ثورة 17 أكتوبر 2019 وإن كانت اندفاعتُها تلاشت إلا أن «روحها» مازالت على تَوَهُّجها، فإن الأكيد أن دخول الشارع على خط الواقع اللبناني المهترئ يشكّل معطى بالغ الأهمية في ضوء ما يمكن أن يستجرّه «طفح كيْل» اللبنانيين، الذين باتوا موزّعين في «أحزمة بؤس» يفاضلون بين الموت جوعاً أو بـ«كورونا»، من قلاقل أمنية وتوترات تضاف إلى الصفائح الساخنة التي تتحرّك أصلاً سياسياً ومالياً واقتصادياً، ناهيك عن المخاوف، المعزَّزة بتجارب سابقة، من إمكان توظيف «فتيل» الاحتجاجات و«صبّ» عناصر إليه في سياق الصراع الداخلي المفتوح على الجبهة الحكومية، أو في إطار المزيد من تحمية الأرض اللبنانية من ضمن مسارٍ تصعيدي «يشهر أوراق القوة» بوجه بايدن في أكثر من ساحة.

وفيما كان الملف الحكومي يمْضي في منازلة يُخشى أن تكون صارت على طريقة «يا قاتل يا مقتول» وسط اعتبار أوساط سياسية أن إثارة مسألة التمديد للرئيس عون بعد انتهاء ولايته (أكتوبر 2022) ما هي إلا من باب إكمال عناصر «معادلات الردع» الداخلية التي أصبحت تتلاقى، وإن بخلفيات مختلفة، عند عنوان «لتبقَ حكومة تصريف الأعمال»، فإن هذه الأوساط استوقفتها الزيارة الوداعية التي قام بها المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش لنائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي لفت كلامه أمام المسؤول الأممي عن ضرورة «الإسراع بتشكيل الحكومة وتمسك الحزب بممارسة مسؤولياته على الصعد كافة الى جانب أهله وشعبه خصوصاً في هذه الظروف الصعبة».

وترافق حِراك كوبيتش، الذي يستعد لبدء مهمته في ليبيا، مع زيارتين بارزتين قامت بهما السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا لكل من عون ورئيس البرلمان نبيه بري في أول تحرك لها بعد انتقال السلطة في بلادها.

وقد شكّل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية (الذي عُلِّقت مفاوضاته قبل أسابيع) جانباً رئيسياً في اللقاءين في موازاة مجمل الواقع المأزوم في بلاد الأرز ومستقبل العلاقات بين بيروت وواشنطن في مرحلة بايدن، وهو ما عبّر عنه كلام عون الذي شدد على «موقف لبنان لجهة معاودة اجتماعات التفاوض انطلاقاً من الطروحات التي قُدمت خلال الاجتماعات السابقة»، فيما أبلغ بري إلى شيا «أهمية استئناف المفاوضات بزخم نظراً لأهمية النتائج المتوخاة منها للبنان ولتثبيت حقوقه السيادية».