كتب منير الربيع في “المدن”: يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تثبيت حضوره في لبنان سياسياً بأي ثمن، حتى لو اقتضى ذلك تخليه عن جوهر المبادرة الفرنسية التي تشظت وسقطت. وهو يبحث عن فرصة إحيائها مجدداً، من بوابة تشكيل الحكومة، حتى لو لم تكن مكتملة المواصفات.
يعلم ماكرون أن لبنان ساحة تجاذب إيراني – أميركي، ويريد التسلل إليها ليكون رابط العلاقة بين الطرفين، فيؤسس بنفوذه في لبنان وعبره لمرحلة مستقبلية لدوره في سوريا وفي البحر الأبيض المتوسط.
وتجدد التحرك الفرنسي تجاه القوى اللبنانية. فأجرى ماكرون إتصالاً بعون. وتؤكد المعلومات أن الاتصال لم يكن إيجابياً، كما أوحى البيان اللبناني. فالاتصال لم يحصل بعد طول انقطاع، ليقول ماكرون لرئيس الجمهورية إنه يدعمه، أو ليمنح السياسيين اللبنانيين بطاقة بيضاء يكتبون عليها ما يريدونه سياسياً. فماكرون غير قادر على الاستمرار في منح أي غطاء للقوى السياسية اللبنانية، لأنه يدفع ثمن ذلك على الصعيد الفرنسي والدولي.
فرنسا وضرورة إيران
لكن لا أحد يبني مؤشرات إيجابية على التحرك الفرنسي، فهو غير محصور بلبنان أصلاً. والقوى اللبنانية وخلافاتها وصراعاتها قادرة على إجهاض أية مساع خارجية.
وهناك أسباب أخرى غير لبنانية لعرقلة المساعي الفرنسية: منها المواقف الإيرانية التي أطلقها مسؤولون رداً على تصريحات الرئيس الفرنسي. وأساسها اتهام ماكرون بأنه يسعى إلى إبرام صفقة أسلحة مع السعودية.
ولذلك هو يتحدث عن تشدده في أية مفاوضات متجددة مع إيران. فيما يطالب الإيرانيون بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي أبرم في العام 2015.
تشير هذه المواقف والتصريحات إلى أن الأزمة اللبنانية تتشعب وتتسع وتنحرف عن سياق الانهيار المحلي ومحاولة تلافيه، لتتخذ بعداً إقليمياً ودولياً. ذلك أن إيران لن تتنازل عن إي شيئ في هذه المرحلة، طالما الصورة الدولية لم تتضح حتى الآن.
وخلاصة القول إن ماكرون لا يمكنه تحقيق خرق في لبنان بدون إبرام تفاهم مع الإيرانيين. وهو يبدي استعداده لذلك. لكن حسابات الإيرانيين مختلفة. فهم يريدون الفوز بالتفاوض مع الأميركيين وبناء قواسم مشتركة معهم.
السياسية الفرنسية المعتمدة حالياً، تعيدنا إلى حقبة العام 2005، عندها كانت باريس متحمسة جداً لقوى 14 آذار نظرياً وفي المواقف السياسية. لكن تحت المواقف المعلنة، كانت هناك ثنائية فرنسية: لبنان لا يمكنه السير بدون حزب الله وإيران، لانهما القوة الأبرز فيه.
وهناك من يشبه المرحلة الحالية بتلك المرحلة. وخصوصاً لجهة المسار الفرنسي الذي سيكون طويل المدى، في ظل انعدام أي مقومات للاتفاق على الحكومة، ورهان قوى عديدة على استمرار الإنهيار، للعودة إلى طاولة المفاوضات مجدداً. وهناك قناعة فرنسية أن حزب الله لا يريد الانهيار أبداً، لأنه سينقلب عليه ويكون هو المسؤول عنه.