الوطن يضيع.. في شياطين ‘التنازلات’ والاجتهادات الدستورية

9 فبراير 2021
الوطن يضيع.. في شياطين ‘التنازلات’ والاجتهادات الدستورية

لم يعد يخفى على أحد أن الدستور في لبنان يستخدم غب الطلب عند القوى الأساسية التي تواصل نسفه يوما بعد يوم، تارة بحجة الإصلاحات وتارة بحجة الحقوق المتصلة بهذه الطائفة وتلك، علما أن هذه الإصلاحات والحقوق تصبح في حكم الغائب عندما تجتمع المصالح المشتركة ووحدة التحاصص بين القيمين على السلطة، وعندها يصبح “المخلص” من يتهم عند كل خلاف على الحصص بأنه لا يؤتمن على البلد.  


 

المفارقة في لبنان، أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ربطا بتكتل “لبنان القوي”، يكاد يكون الشخصية السياسية الوحيدة التي تصطدم مع القوى السياسية الأخرى، لا سيما الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري حيال الدستور، فمن النادر أن نجد تباينا أو اشتباكا سياسيا أو سجالا تظهر إلى العلن بين نواب “التحرير والتنمية” ونواب “المستقبل”، على عكس الصراع المحتدم بين “التيار الوطني الحر” من جهة وحركة “امل” من جهة حيال تفسير الدستور، وبين ميرنا الشالوحي وبيت الوسط تجاه الصلاحيات وحقوق المسيحيين التي وفق التيار العوني، يحاول الفرقاء السياسيون في البلد إعادة نتشها وانتزاعها وتقاسمها في ما بينهم كما كان يحصل قبل العام 2005. 

 
في الشكل، يتوافق الجميع على أن تطبيق الدستور أقصر الطرق لخروج لبنان من عمق الأزمة التي يمر بها، لكن الواقع السياسي يثبت العكس، فتشكيل الحكومة العتيدة في ثلاجة انتظار الضغط الخارجي على المعنيين في الداخل والسبب أن الرئيس عون يصر على أهمية تفاهم الرئيس المكلف مع النائب جبران باسيل أن لا حكومة، وهو أبلغ الجميع أن الضغط على صهره لتقديم التنازلات لن يجدي نفعا.  

الدستور في مهب التجاذبات السياسية، فرئاسة الجمهورية تؤكد “أن ما يسمى بتنازلات هو في الواقع حقوق دستورية يحرص رئيس الجمهورية على المحافظة عليها والمناداة بتحقيقها انطلاقا من مسؤولياته الوطنية والدستورية والميثاقية، وهي مسؤوليات لا يمكن أن تدخل يوما في قاموس التنازلات، لأنها من الثوابت التي لا يجوز التخلي عنها تحت أي ظرف”، في حين ان الرئيس المكلف  الذي يريد ان يستعيد نبض الشارع السني كما كان عليه في العام 2005، يشدد على أنه يعمل وفق  الدستور لجهة الحرص على موقع الرئاسة الثالثة وعلى دور رئيس الحكومة، مستندا إلى الفقرة الثانية من المادة 64 في الدستور التي تنص بشكل واضح على أن صلاحية وضع المسودة الحكومية منوطة بالرئيس المكلف بتشكيل الحكومة فقط، وعملًا بالمادة 53 من الدستور التي تقول: يحقّ رئيس الجمهورية الموافقة على التشكيلة وإما رفضها وإما طلب تعديلها، وهذا يعني انه لا يحق للرئاسة الاولى أن تقدم أي طرح حكومي للرئيس المكلف.  

 
يواصل باسيل بغطاء من الرئيس عون، وفق المتابعين، المطالبات الطائفية تحت عنوان حقوق المسيحيين، بيد أن الأكيد لحلفاء باسيل قبل خصومه والذين سئموا مسايرته، أن هذه المطالبات هراء، خاصة وأن نائب البترون يعمل وفق قاعدة” حقوق التيار البرتقالي المسيحية” لا حقوق المسيحيين في لبنان، فالتعيينات الادارية والتشكيلات القضائية اما تخضع لسلطته في انتقاء الاسماء او تتعطل وتوضع في الادراج، هذا فضلا عن أن من ينادي بالدولة المدنية يفترض أن  يصوب البوصلة نحو مفهوم المواطن لا ان يعزز الخطاب المذهبي والفئوي والطائفي.  

بينما يتناحر رئيس الجمهورية ورئيسا المجلس النيابي والمكلف تشكيل الحكومة، حيال الدستور ومن يملك صلاحية تفسيره لفرض أجندته الخاصة وتوجهاته السياسية عطفا على بدعة الثلث الضامن والتهديد تارة بتعديل او تغيير النظام عند كل مفصل سياسي أو امني، تزداد الامور سوءا في البلد، فالتنازعات على اشدها بين المتخاصمين والوطن يضيع بين شياطين حساباتهم واجتهاداتهم الدستورية البعيدة كل البعد عن المبادئ الدستورية واولويات المواطنين، الذين يعتبرون أن انتظارهم السلطة الحاكمة لانقاذ البلد لن يطول، فالنار تحت الرماد ولا تحتاج إلا إلى شرارة صغيرة