تلقّف أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت رسالة السلطة، السياسية والقضائية، بتنحية القاضي فادي صوّان وكفّ يده عن الملف، فقطعوا الطريق بالإطارات المشتعلة عند قصر العدل في بيروت.
“اليوم قتلونا من أول وجديد”، قالت أم أحد الضحايا، فيما أشارت أخرى إلى أنه “استعدت كل لحظات يوم 4 آب، دموعي لم تجفّ، لم أزل أرتدي الأسود وسأبقى أرتديه لحين تحقيق العدالة لإبني”.
السلطة وجّهت صفعة للناس عموماً، لذوي الضحايا خصوصاً، بالقسوة عينها لصفعة القتل في تفجير المرفأ.
إذ وصلت إلى حدّ تقول فيه إنّ الجرائم ستقع ولا تحقيق فيها، لا عدالة ولا حقيقة.
هذا ما فهمه أهالي شهداء المرفأ، وهذا ما يحاول استيعابه عموم اللبنانيين غير المعميين سياسياً ولا التابعين حزبياً وطائفياً.
اجتماعات سياسية
وبينما كان تحرّك الأهالي قائماً في منطقة العدلية، أشارت مصادر مواكبة لملف تفجير مرفأ بيروت إلى اجتماعات عُقدت في قصر بعبدا، جمعت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم ومستشاري رئيس الجمهورية ميشال عون، للبحث في تعيين خلف لصوّان.
بينما كانت أشارت معلومات أخرى إلى أنّ القرار الصادر عن محكمة التمييز كان قد تلقى غطاءً ودعماً من قبل القيادات السياسية. فكان موضوع “درء الفتنة” مادة أساسية لإعادة تحالف قيادات وأحزاب السلطة في ما بينها حول مصالحهم التي يحمونها مداورةً.
قطع الطريق
إلى أمام قصر العدل، تداعى العشرات من أهالي الشهداء، رافعين صور أبنائهم الضحايا ولافتات ترفض التسيسس والتمييع، مطالبين بنتائج واضحة وشفافة للتحقيقات.
تقدّموا بأسئلة كثيرة منها “من استقدم نيترات الأمونيوم إلى بيروت”، “لماذا تنحية القاضي صوّان اليوم”، “لماذا كل هذه التعمية”؟ وفي كلمات واضحة، أكد متحدثون باسم الأهالي “رفض كل محاولات إرجاعهم إلى نقطة الصفر في موضوع التحقيقات”، معتبرين أنّ “التدخلات السياسية لعبت دوراً كبيراً في ما حصل”.
كما أشاروا إلى أنهم “لن يسكتوا على هذا الأمر وسيتجهون نحو تصعيد تحركاتهم”، على اعتبار أنّ “كل الخيارات مفتوحة أمامهم، ومنها التوجه إلى القضاء الدولي” كتعبير عن فقدان الثقة بالقضاء اللبناني.
تهديد صوّان
والتقى وفد من الأهالي نقيب المحامين ملحم خلف، الذي عاد وأكد خلال إطلالة متلفزة على أنه “إذا تعرّض فعلاً القاضي صوّان لتهديد فنحن جميعاً قلقون على هذا القضاء”.
ووصف خلف القرار الصادر بتنحية صوّان بـ”الركيك، وجاء لسبب افتراضي بأن المحقق العدلي لن يحترم أصول الحصانات، ولسبب آخر وهو الأخطر ومبني على ارتياب مشروع لوزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى”.
وقال “لم نعد نفهم موضوع الحيادية. فالحيادية ليس التنازل عن أي حق ونحن حريصون على هذا الحق بشكل مطلق. أخرجوا الملف من السياسة.
والجريمة غير المعاقب عليها هي جريمة مكافأ عليها”.
وأشار إلى أنّ “لا أحد يعزّي أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت إلا العدالة والحقيقة. فما الرسالة التي نعطيها اليوم لنصف مدينة مدمرة.
وكأنهم لا يريدون أي أمل وثقة لإحقاق الحقّ حول هذا الموضوع”.
القضاء الدولي
وفي حين لفت خلف إلى أنّ في التحقيق “لا الأمنيين مسؤولين، لا الإداريين مسؤولين، ولا السياسيين مسؤولين، لا يمكن أن نسقط القضاء الوطني، وأينما وجدت العدالة سنذهب لأخذها”.
وهي إشارة في اتجاه اللجوء إلى القضاء الدولي من أجل ضمان العدالة من أجل ضحايا التفجير وكل اللبنانيين الذين تضرّروا بشتّى الوسائل من جريمة 4 آب.
وبينما كان الأهالي يستمرّون في تحرّكهم، نفّذ عدد من الناشطين تجمّعاً عند تقاطع الشيفروليه دعماً للأهالي وقطعوا الطريق، بينما قام عدد من الشبان في صيدا باشعال الإطارات عند تقاطع إيليا رفضاً لتنحية القاضي صوّان والأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية.
وحسب أجواء ذوي الضحايا، التحركات ستكون تصعيدية وتصاعدية، “كنا أوادم، وخلّونا نصير زعران”، قال أحدهم.
ففي بلد تغيب فيه العدالة، والحقيقة وتضيع فيه التحقيقات، لا تدفع السلطة اللبنانيين إلا بمواجهة الزعرنة بالزعرنة، والقتل بالقتل.