عند كل اهتزاز ممكن للكيان اللبناني، ترفع البطريركية المارونية الصوت عاليا محاولة تصويب البوصلة والمحافظة على مفهوم لبنان الكبير الذي سعت جاهدة إلى تأسيسه.
بغض النظر عن صوابية الصوت الماروني الكنسي، يحتل النداء الأخير للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، موقعا متقدما عند كل المهتمين بالشأن اللبناني من الداخل والخارج.
وبغض النظر عن مدى تنسيق هذا الموقف مع الكرسي الرسولي، لاسيما ان البابا فرنيس خلال لقائه اعضاء السلك الدبلوماسي اللبناني أكد اهمية حفاظ لبنان على وجهه وهويته.
وبغض النظر أيضا عن كيف تتفاعل القوى السياسية اللبنانية مع هذه الدعوة، بدءا من “حزب الله” الذي اعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله رفضه المطلق لمبدأ التدويل، معتبرا انه يمس بالسيادة اللبنانية، وصولا الى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعحع الذي يوفد نوابه الى الصرح البطريركي لتأكيد التأييد واعلانه، وما بينهما من آراء وأفكار وحملات الكترونية بدأت ولا نعلم على ماذا وكيف ستنتهي.
التمييز
بغض النظر عن كل التداعيات السياسية الممكنة. كيف يمكن التوقف عند مفهوم “المؤتمر الدولي” او”التدويل ” من وجهة نظر قانونية؟
يشير استاذ القانون الدكتور رزق زغيب، الى انه “بداية لا بد من التمييز بين المصطلحين، اذ ان مؤتمر دولي يمكن ان يكون اجتماعا اولقاء لمجموعة دول لبحث الواقع اللبناني ينتج عنه مجموعة توصيات او آراء يمكن ان يعمل لبنان بها ويمكن ان يرفضها.
أما التدويل فهو ان تقوم دولة او مجموعة دول بالتدخل مباشرة بالشأن اللبناني، والتدخل يكون ملموسا وواضحا أكان سياسيا، اقتصاديا، عسكريا او تحت اي مسمى آخر”.
ويضيف زغيب ان “التدويل هو احتمال وارد ونتيجة ممكنة للمؤتمرات الدولية لكنها غير اكيدة، وحدوثه او عدم حدوثه متوقف على كيفية تعاطي الدولة المحلية معه، اي اذا افترضنا ان المؤتمر الدولي لاجل لبنان تم انعقاده ورشحت عنه مجموعة توصيات لم يأخذ بها لبنان، فنكون أمام لا تدويل للمسألة اللبنانية والعكس هو الصحيح.
وهنا لابد من الاشارة الى ان لبنان يرفض حتى اليوم القيام بالاصلاحات اللازمة لاستجلاب اموال (سيدر) وبالتالي نحن امام مؤتمر اقتصادي دولي من اجل لبنان لم تطبق بنوده”.
أما في ما يخص الدستور اللبناني، فيؤكد زغيب ان “ليست هناك اي بنود او فصول تتحدث مباشرة اوغير مباشرة عن امكانية تدخل دول خارجية بالحياة اللبنانية، وهذا طبيعي جدا، فمبدأ التدخل يتعارض مع مبدأ السيادة الذي تقوم عليه مختلف دول العالم.
لكن لا بد من الاشارة الى ان كون لبنان عضوا مؤسسا او مشاركا في أكثر من منظمة عالمية، على رأسها منظمة الامم المتحدة، فضلا عن موقعه الجغرافي ووجوده في منطقة نزاع دائم، يدفع الى جعل امكانية دراسة وعقد مؤتمرات خاصة به ممكنة وأكيدة دائما”.
وفي ما يتعلق “بالفصل السابع” وعلاقته بالتدويل، يقول زغيب، ان “تدخل الامم المتحدة بشؤون الدول تحت ما يعرف بالفصل السابع (مجلس الامن له صلاحية اتخاذ تدابير جزرية امام كل تهديد اوانتهاك للأمن والسلم الدولي).
فهو قرار يتخذه مجلس الأمن باعضائه الدائمين وغير الدائمين، وان مجلس الأمن ان اراد التدخل في الشأن اللبناني فهو من المؤكد لا ينتظر ان توجه اليه الدعوة من اي جهة لبنانية”.
وعن تاريخية المؤتمرات من أجل لبنان، يؤكد الدكتور رزق زغيب، ان “لبنان مذكور ككيان بالمعاهدات الدولية قبل ان يصبح بلدا، انه موضوع من مواضيع المواثيق الدولية قبل ان يصبح شخصا من اشخاص القانون الدولي.
ومن ابرز أهم المؤتمرات الدولية التي عالجت موضوع لبنان نذكر:
1842: مؤتمر فيينا الذي قرراعتماد نظام القائمقاميتين في لبنان.
1861: مؤتمر بيروت الذي انتقل الى اسطنبول، واعتمد نظام المتصرفية في جبل لبنان.
1919: مؤتمر الصلح في باريس، الذي أقرمبدأ قيام لبنان بحدوده التاريخية.
1969: اتفاق القاهرة لحل النزاع الفلسطيني – اللبناني.
1976: مؤتمرا الرياض والقاهرة بمسعى من جامعة الدول العربية لارسال قوات الردع الى لبنان.
1983: مؤتمر جنيف لمحاولة حل الازمة اللبنانية الداخلية بوجود مراقب سعودي وسوري.
1984: مؤتمر لوزان لايجاد حل للازمة اللبنانية نتج عنه الاتفاق على حكومة وفاق وطني مع رشيد كرامي.
1989: اتفاق الطائف.
المؤتمرات الاقتصادية الشهيرة : باريس 1 و2 و2، بالاضافة الى مؤتمر “سيدر” الأخير.
2007 مؤتمر سانكلو بدعوة من وزير الخارجية الفرنسي السابق برنارد كوشنير.
2008: مؤتمر الدوحة بعد احداث السابع من أيار.
ان سرد هذه المؤتمرات لا يعني انه من الضرورة ان تستمر الحياة اللبنانية باعتمادها على المتنفس الخارجي، فبعد مئة عام على قيام لبنان الكبير كان لا بد لنا من ان نبلغ مرحلة الرشد، اذ ان الدولة التراصفة هي طموح كل انسان ومواطن”.
و في الختام رأى زغيب ان “البطريركية المارونية سابقة لوجود الكيان اللبناني، هي تعتبر نفسها حارسة له، وبالتالي تحاول بما اوتيت من علاقات دولية لاسيما في ظل ارتباطها بالكاثوليكية العالمية، ان تؤمن كل ما استطاعت للحفاظ على لبنان الرسالة كما وصفه البابا يوحنا بولس الثاني”.