من حيث لم يقصد…’حزب الله’ أعاد إلى بكركي ‘مجد لبنان المُعطى لها’

26 فبراير 2021
من حيث لم يقصد…’حزب الله’ أعاد إلى بكركي ‘مجد لبنان المُعطى لها’

من حيث لا يدري أو يقصد، أعاد الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله إلى بكركي، في رده الأخير عليها، الدور الوطني الجامع الذي أداه بطاركتها على الأقل منذ قيام لبنان الكبير حتى اليوم، وقد أّعطي لها ما لم يُعطَ لغيرها فأستحقّت “مجد لبنان”.


ومن حيث لم يدرِ ساهم خطاب نصرالله في تزخيم المواقف التي عبرّ أصحابها من مختلف التيارات السيادية عن دعم مواقف البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، الذي دعا أولًا إلى حياد لبنان عن الصراعات الخارجية، وعدم ربط قضاياه بقضايا المنطقة المتشابكة بين محورين متناقضين في المفاهيم والأعراف الدولية، من حيث تراتبية سلّم القيم لدى كل من هذين المحورين.

وفي رأي البطريرك الماروني أن لا مصلحة للبنان في أن يكون طرفًا مع أي محور من هذين المحورين، وأن الأولوية المصلحية تفرض على الجميع، من مختلف التيارات السياسية والطائفية، الإبتعاد عن سياسة جرّ لبنان، بقوة الواقع، إلى صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل.

هذه الدعوة الصادرة عن بكركي المعروفة مواقفها الوطنية التاريخية ، لم تعجب “حزب الله”، الذي عارض، وبشدّة، هذا التوجه، وأدار البوصلة نحو محور آخر، وهو طبيعة الصراع مع العدو الإسرائيلي الغاصب للأرض والكرامة الفلسطينية، والذي يهدّد سيادة لبنان كل يوم، في الجو والبرّ والبحر، فأعتبر أن لا حياد في هذه القضية، وأن من واجبات لبنان أن يكون منخرطًا في مشروع مقاومة هذا العدو الغاشم.

في هذه النقطة بالتحديد كان للبطريركية المارونية أكثر من موقف توضيحي، إذ فصّلت بين معاداة إسرائيل وبين الإنخراط الكلي في مشروع الإنحياز إلى محور معين، بحيث أن هذا الإنخراط المسلح جاء ضد رغبة شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين سبق لهم أن قالوا بالفمّ الملآن قبل سنوات طويلة “لا للشرق ولا للغرب”، وعلى هذا الأساس بُنيت سياسة لبنان الخارجية، والتي على أساسها أصبح لبنان جسرًا بين الشرق والغرب، وقد أدّى هذا الدور بأمانة حتى إدخاله في محور الصراعات الداخلية بفعل التدخلات الخارجية، والتي إنتهت بإتفاق الطائف، الذي أعاد إحياء صيغة لبنان الفريدة، والتي تزعج كثيرين في الداخل وفي الخارج.

أما في مسألة دعوة بكركي إلى مؤتمر دولي لمساعدة لبنان على النهوض من كبوته، بعد فشل المساعي الداخلية، فإن السيد نصرالله، الذي إعتبر أن البطريركية المارونية تمزح في هذا الأمر، رأى في تدويل الأزمة اللبنانية مشروع حرب جديد ضد لبنان، وأن هذا الأمر يتعارض مع السيادة اللبنانية، وله كل الحقّ في أن يعبّر عن مواقفه بحرية تامة، ولكن ليس من حقّه تخوين بكركي، التي يعترف الجميع بدورها الوطني الجامع، وبالتالي ليس من حقّه أن يقول أنها تمزح، وهي لم تعتد إلا أن تكون جدّية في المواقف الوطنية، التي تنطلق من مصلحة لبنان أولًا وأخيرًا.

لا يعتقد أحد أن بكركي المطالِبة بمؤتمر دولي، والمصرّة على موقفها، تخلط بين دعوة المجتمع الدولي لمدّ يد المساعدة للبنان وبين “التدويل”، الذي دونه عقبات كثيرة، داخلية وخارجية.
حاولت السلطة إقناع البطريرك الراعي بدعوة الداعين إلى التضامن مع بكركي وقف تحركهم، فلم يقتنع وأصرّ على ترك الأمور على طبيعتها، وإن كان ثمة من يعتقد أن الحركة في إتجاه البطريركية المارونية قد تدفع في المقابل إلى المزيد من التشنج والتصعيد.