قصص عن عفاف ‘القوّادة’… والحكومة كلها عفاف

28 فبراير 2021آخر تحديث :
قصص عن عفاف ‘القوّادة’… والحكومة كلها عفاف

من يطالع أرشيف شرطة الآداب، سيلفته حتماً ملف “قوادة” ذاع صيتها في خمسينيات القرن الماضي في بيروت الى حد تشبيهها ب madame Claude القوادة الفرنسية المشهورة كرمز عالمي في مجال الخدمات الجنسية.

 

هي الفلسطينية “بدور” التي عُرفت بإسم “عفاف” والتي اكتسبت لاحقاً الجنسية بعد زواجها من لبناني.

 

“الست عفاف” التي اختارت لها إسماً على غير مسمى، اشتهرت بتقديم الخدمات الجنسية من خلال إدارة بيت للدعارة تحت حماية “النيابة العامة وشرطة الآداب” في زمن الرخاء والرفاهية من خلال توزيع الإكراميات على عناصر دورية الآداب التي كان رئيسها يُخبر مسبقاً عفاف بموعد وتاريخ إطباق الدورية لمداهمة منزل الدعارة التي تديره، بعد أن إبتزته في إحدى المرات من خلال التهديد بنشر صور إلتقطها المصور الأرمني غريغور خلال مأدبة غداء عامرة أقامتها في حلب بعد رحلة صيد لعدد من رجال مكتب الأخلاق والآداب العامة.

 

بدوره النائب العام الإستئنافي في بيروت كان شريكاً فاعلاً في حماية عفاف ودعارتها السرية بعد أن تعمدت إستمالته مادياً مع مسؤولين نافذين من قضاة وشرطة آداب للتغاضي عن مخالفاتها، حتى أنها استخدمت نفوذها في إحدى المرات لإحالة من كان يسمى”بمفوض الأخلاق” وعناصره الى المجلس التأديبي لأنهم تجرأوا على تنفيذ قرار بإقفال بيت الدعارة التابع لها، كما على إقصاء القاضي الذي كان يشرف على عمل الضابطة العدلية.

 

إستفادت عفاف من مزايا الأمن والحرية والديمقراطية والسرية المصرفية في زمن الستينيات لتستأجر فندقاً في محلة رأس بيروت أطلقت عليه إسم blair، فسكنت في الطبقة الأولى منه مع صديقها سعيد، الموظف في قصر العدل في بيروت، وحوّلت الطوابق الأخرى الى غرفٍ ناهز عددها ال ٦٥ لإستقبال الزبائن الأغنياء والميسورين من لبنانيين وعرب.

 

فتيات عفاف كن من جنسيات مختلفة: لبنانيات، سوريات و فلسطينيات عملن تحت إدارتها، إما طوعاً أو بالإكراه، فاستخدمت عفاف أو”الأم” وهي التسمية المتعارف عليها في عالم الدعارة السرية والعمومية قبضايات المحلة التي يقع فيها الفندق لحمايته وحماية الزبائن، ولمنع أي فتاة تعمل لديها من مغادرة المبنى الا بعد موافقتها، ولإستخدام الضرب والتعنيف عند الإقتضاء لدى محاولة أي منهن الهرب والإفلات من “ماخور الدعارة”، الذي بقي عصياً على الإقفال حتى بعد اعتراض سكان المنطقة على نشاط البيت المشبوه وتقديمهم عريضة لختمه بالشمع الأحمر، فكانت النتيجة، بعد تدخل عفاف مع أصدقائها النافذين أن حُفظت الشكوى بحجة أن ما تقوم به مع فتياتها يدخل ضمن تصنيف “تشجيع السياحة والإصطياف“.

 

الصحافة اللبنانية التي كانت “بدائية”(قلم وورقة وهاتف أرضي) في ذاك الوقت حاولت لعب دور مناهض لعمل عفاف في تشجيع الرذيلة والفحشاء وتعاطي المخدرات والكوكايين، الا أن نفوذ القوادة الطاغي مع أصحاب المناصب الرفيعة في البلد عرقل في كثير من الأحيان عمل الصحافيين الذين لجأ عدد منهم ، إما الى الهرب أو الكتابة تحت إسم مستعار، كما أن محاولاتها المتكررة بتقديم رشى لعدد منهم بهدف وقف حملتهم الإعلامية عليها لم تجدِ نفعاً في أحيان كثيرة.

 

معاصرو فضائح عفاف أو من بقي منهم على قيد الحياة قد يذكرون أو يتذكرون أن قضيتها استخدمت كوثيقة ضد حكومة الرئيس سامي الصلح في عهد الرئيس كميل شمعون والتي وصفها، أي الحكومة، المفكر كمال جنبلاط بعبارته الشهيرة “الحكومة كلها عفاف” في العام 1961 أي بعد أن إنتهت قضية عفاف وتسلم حينها وزارة الداخلية في حكومة الرئيس رشيد كرامي، وكان “يلطش “بعبارته هذه الحكومة السابقة.

 

لا شك أن ملفات الحكومات في لبنان والخارج تمتلىء بقضايا شبكات الآداب في العالم، وأن بعض هذه الشبكات تحولت الى قضايا رأي عام، والبعض الآخر طواها النسيان بأمرٍ من الذاكرة أو بأمر من الذين يتابعون المسار ويملكون قدرة الحل والربط، الا أن الثابت والأكيد أن عبارة الأديب اللبناني الكبير سعيد تقي الدين” ليس أبلغ من القحباء حين تتحدث عن العفة” تصلح لكل زمان ومكان.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.