في عالم يتغيّر نحو العولمة المتطورة، وذلك بوتيرة أسرع من المتوقع بفعل ما أجبرنا عليه وباء كورونا، نطرح ملف التعليم الذي تحوّل بشكل شبه كامل في العالم الى تعليم رقمي، فهل يواكب لبنان هذا التغير قبل أن يلقى نفسه متأخرًا، كالعادة، في انجاز ما يجب انجازه؟ ويقع في صراع مع الوقت؟
القانون اللبناني لا يعترف بأية شهادة جامعية، سواء من جامعة خارجية أم محلية، اذا كان المنهج «اونلاين» وتتم دراسته من لبنان أو من أي بلد بدون الحضور الفعلي للحصص التعليمية، وذلك، بحسب القانون، للحفاظ على القيمة التعليمية التي تتطلب حضور الطلاب لصفوف المواد شخصيًا بنسبة معينة.
ولكن في «عام كورونا»، اضطر لبنان للسير بالتعليم عن بعد، في المدارس والجامعات، وأقر مجلس الوزراء بند الاعتراف بالشهادة الجامعية لهذا العام، على الرغم من البرامج الرقمية التي اعتُمدت، ويتوقع أن يتم تمديد العمل بهذا القرار لعام اضافي بحكم استمرار العمل بالتعليم الرقمي.
قانون «التعليم الرقمي» على نار حامية
علمت «اللواء» أن هناك توجهًا لدى لجنة التربية النيابية لإعداد قانون يتيح التعليم الرقمي في لبنان بشكل دائم، ضمن ضوابط معينة، وأكد ذلك عضو اللجنة النائب انطوان حبشي، اذ لفت في حديث مع «اللواء» أن ملف التعليم الرقمي تم طرحه منذ أشهر، وقام أحد الزملاء بتقديم قانون من مادة وحيدة لاتاحة التعليم الرقمي، إلا أن اللجنة ارتأت أن تعمّق العمل أكثر للخروج بصيغة تحفظ قيمة التعليم وجودته في لبنان، وذلك عبر تحديد ضوابط معينة وشروط محددة، موازية لما يتم اعتماده عالميًا.
واعتبر أن لبنان تأقلم مع هذا الواقع بسرعة، نتيجة عمل وزارة التربية مع المؤسسات التعليمية، بالإضافة الى عمل الجامعات الخاصة لانجاح هذه العملية، وهذا ما يمكن البناء عليه عندما يصبح لبنان من الدول التي تعمل بالنظام الرقمي تعليميًا بشكل نهائي يشمل جامعاته وجامعات العالم.
وأشار حبشي أن الجدية طغت على الملف الموضوع على «نار حامية» لانجازه، ولم يعترض أي فريق سياسي على مبدأ اقرار القانون، ولكن التباينات موجودة على جزئيات غير جوهرية، معتبرًا أن ما يحول دون اقراره بشكل سريع هو واقع كورونا الذي قلّل من اجتماعات اللجان، إذ قال: “حتى اجتماعاتنا الرقمية كلجنة لا يقر بها مجلس النواب وهي بحاجة الى قانون خاص”.
وأضاف: “التوجه هو لإقرار القانون، لأن لبنان لا يجب أن يبقى بعيدًا عن تغيرات العالم الذي أقر بأغلبيته التعليم الرقمي، اذ يجب الحفاظ على مستواه التعليمي، مما يتيح لجامعاته تعليم طلاب من الخارج رقميًا، كما فعلت تاريخيًا وما زالت حضوريًا. ويتيح للطالب اللبناني أن يحصل على شهادة جامعية معترف بها من الخارج عبر التعليم الرقمي، بدون أن يغادر البلاد”. رافضًا أن يعد بموعد نهائي لإقراره، كون الأحداث المتسارعة في لبنان تفرض نفسها، وتبدّل الأولويات.
سمعة لبنان التعليمية بخطر
وأسف حبشي الى الضغوط المهولة التي حصلت في لبنان وأثّرت على كل مرافقه بما فيها مؤسساته التعليمية، اذ اعتبر أن هذه المؤسسات واقعة «بين المطرقة والسندان»، فمثلًا الجامعات الخاصة، لديها مدفوعات للخارج لتسديد نفقات المختبرات والحاجيات المشابهة بالعملة الأميركية، واذا تخلّفت عن ذلك سيتأثر برنامجها التعليمي، وتاليًا مستواها التعليمي، ومستوى لبنان ككل.
وفي هذا الإطار، ذكّر حبشي باقتراحه الذي ينص على السماح للجامعات باستخدام ودائعها بالدولار لدفع نفقاتها الخارجية، كي لا تضطر لزيادة التكلفة على الطلاب، واعتبر أن لبنان مقدم على أزمة كبيرة على صعيد سمعته وجودته التعليمية اذا لم يتم التحرك باتجاه حل كل المسائل العالقة سواء عبر نص القوانين أو التسهيلات للجامعات كي تحافظ على مستواها وكل ما نحتاجه هو قرارات بعيدة عن أي تسييس خصوصًا في هكذا أمور”.
تصنيف يدق ناقوس الخطر
في بلد يعيش انهيارًا شاملًا، من أزمة مالية واقتصادية الى أزمة سياسية مفتوحة على جميع الاحتمالات، يصبح هم المواطن الأول كيفية تأمين قوت يومه له ولعائلته.
وللأسف، يقبع ملف التعليم وغيره من الأمور المهمة، في مرتبة ثانوية، قد لا نعلم بخطورتها إلا عندما نشهد على مجتمع تخلى عن تميّزه التعليمي في المنطقة، وعلى وطن فقد صفة «مطبعة الشرق الأوسط»، ونستفيق على تصنيف عالمي يضعنا في مؤخرة القائمة مجددًا، استكمالًا لتصنيفنا في المرتبة الأخيرة عربيًا في اختبارات (PISA) العالمية، وفي المرتبة الـ 74 من أصل 77 دولة شاركت في الاختبارات.
وأظهر هذا التصنيف الذي نشر قبيل بدء عام 2020 بأيام الى أن تلامذة لبنان يدفعون ثمن التفاوت في الخلفيات الاقتصادية – الاجتماعية التي تؤثر في مدى اكتسابهم المهارات التعليمية على اختلافها كالقراءة والعلوم والرياضيات، مما يوضح أن عمق الأزمة مرتبط بأزمات لبنان الاجتماعية والاقتصادية المستفحلة.
فهل من يرفع الصوت لانقاذ هوية لبنان وسمعته التاريخية؟ أم أن الصوت يعلو فقط للمناداة بحقوق الطوائف لاكتساب المراكز والحفاظ على المصالح؟