وضعت السلطة اللبنانية سقفاً واضحاً للنشاط الثوري، تسعى من خلاله الى اجبار المتظاهرين على الالتزام به، بهدف إبقاء الوضع “تحت السيطرة” السياسية والإمنية، وإحالة الاحتجاجات الى إطار “فشة الخلق”.
هكذا أرادت السلطة “إثنين الغضب” الذي خرج في الساحات، وقطع أوصال البلاد احتجاجاً على تفاقم الواقع المعيشي. رسمت له سقفاً لتطويقه. وهي بذلك، تلجأ الى الحل الأمني. فالإجتماع الأمني المالي الإقتصادي والقضائي الذي انعقد في قصر بعبدا، أوصى “باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لملاحقة المتلاعبين بلقمة عيش اللبنانيين من خلال رفع الأسعار على نحو غير مبرر”، لافتاً الى أن “الإجراءات ذات طبيعة مالية، قضائية وأمنية”.
يُستدل على تعليمات السلطة حول قطع الطرق، بثلاثة تصريحات. على الصعيد الرسمي، شدد الرئيس ميشال عون على ان ” قطع الطرق مرفوض وعلى الأجهزة الأمنية والعسكرية أن تقوم بواجباتها كاملة وتطبيق القوانين من دون تردد، خصوصاً أن الأمر بات يتجاوز مجرد التعبير عن الرأي الى عمل تخريبي منظم يهدف الى ضرب الاستقرار”.
الرئيس عون: ما يجري من قطع الطرقات يتجاوز مجرد التعبير عن الرأي الى عمل تخريبي منظم يهدف الى ضرب الاستقرار، لذا على الاجهزة الامنية والعسكرية ان تقوم بواجباتها كاملة وتطبق القوانين دون تردد
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) March 8, 2021
فخامة الرئيس #ميشال_عون نسألك ومن باب العلم بالشيء ليس إلا هل صلاحياتك متوفرة بإعطاء الأوامر لقيادة #الجيش_اللبناني بفتح الطرقات واذا كانت كذلك لماذا لم تستند الى مثل هكذا صلاحيات بموضوع نيترات الأمونيوم وتصدر أوامرك الصارمة للقوى الأمنية والعسكرية منعا لوقوع #انفجار_مرفأ_بيروت
— Elie Mahfoud (@MahfoudElie) March 8, 2021
وعلى الصعيد الحزبي، تضمن بيان “الحزب التقدمي الاشتراكي” أنه “في سياق التأكيد على ضرورة ألّا تُستغل تحركات المواطنين لخلق أي فتنة، وتكريساً لموقف الحزب التقدمي الإشتراكي في رفض قطع الطرق على الناس حيث أن الحرية حقّ مكتسب للمتظاهرين وغير المتظاهرين، أجرى الوزير السابق غازي العريضي، بتكليف من رئيس الحزب وليد جنبلاط، إتصالات بمسؤول لجنة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا، ومستشار رئيس مجلس النواب أحمد بعلبكي، للتأكيد على هذا الموقف منعاً لأي استغلال لحقوق الناس وتحركاتهم في اتجاهات لا تخدم مطالبهم المحقّة، والتنسيق بين الجميع ومع الأجهزة الأمنية وفق ما تمليه الظروف في هذا السياق”.
وعلى الخط الأمني، تنقل MTV عن مصدر أمني قوله: “لن يعمد الجيش الى فتح الطريق لا في الذوق ولا في جل الديب، وطالما هناك طريق بَحرية موازية، فلن يقوم بفتح الاوتوستراد ولا نية للاصطدام مع المواطنين، أما الجيش اللبناني فلن يفتح طريق الذوق وجل الديب بالقوة، طالما أن الطريق البحري مفتوح”.
مصدر أمني عبر MTV : لن يعمد الجيش على فتح الطريق لا في الزوق ولا في جل الديب وطالما هناك طريق بحرية موازية فلن يقوم بفتح الاوتوستراد ولا نية للاصطدام مع المواطنين #لبنان_ينتفض
— Bassel.f.saleh || باسل ف. صالح (@DrBasselSaleh) March 8, 2021
هكذا، ظهر الخط الأحمر واضحاً في مستوى الضبط. المعادلة كالتالي: “إقطع طريقاً، وأترك أخرى”. لكن ما لا يقال في تلك المعادلة، هو أن السلطة بأركانها السياسية، توصي الأجهزة الأمنية بمراعاة هذه المعادلة وتطبيقها.
وبتطبيقها، سيتحول التظاهر الى فولكلور. عمل غير مؤثر، لا تداعيات له، ولا يُقرأ إلا من منظور ما يسمونه “تنفيساً للاحتقان”.
هذا ما تريده السلطة، وما أرادته في رسم الضوابط. تفتح وسائل الاعلام هواءها للمتظاهرين، ولا تضيء على الجانب الآخر.لا يقرأ الإعلام في دلالات التصريحات وأبعادها.
ينقلها بلا انتقاد، ولا يتجاوز الخطوط الحُمر المرسومة بوضوح. ملعبه هو أيضاً في الطرق المقطوعة، حيث ينتقد الثوار السلطة.
لا يتبنى صرخاتهم. ولا يضيء على الطرق المفتوحة، إلتزاماً بتوصيات السلطة.
#الجيش_اللبناني و #القوى_الأمنية لن يحاولوا فتح الطريق #الزوق و#جل_الديب
#قائد_الجيش
الشعب جاع،الشعب فقر،امواله محجوزة بالمصارف،ونحنا ك جيش جزء من هالشعب، كمان العسكري عم بعاني وعم بجوع ،يا حضرات المسؤولين وين رايحين؟شو ناويين تعملوا؟
اسمع يا #ميشال_عون#لبنان_ينتفض pic.twitter.com/V6VkcuUQQ5— 𝑺𝒆𝒏̃𝒐𝒓𝒂 𝑱𝒖𝒍𝒊𝒏𝒆 𝒀𝒐𝒖𝒏𝒆𝒔 (@signiora_younes) March 8, 2021
وليس ذلك غريباً في بلد التسويات. الخبر في مكان، والتنفيذ في مكان آخر. يتواطأ الإعلام مع السياسة على إيهام الرأي العام بأن هناك ضغطاً، علماً أنه في الواقع “ثورة تحت السيطرة”.
أرادها السياسيون بلا تأثير، إلا بالاسم. والاعلام هنا يضيء على فعل، لإشاحة النظر عن آخر.
في بيان الرئيس قال قطع الطرقات إعتداء على الناس 😂😂😂😂😂😂😂😂 pic.twitter.com/m87JAtNZV0
— khalid (@Khaliid_It) March 8, 2021