لكثرة المصائب النازلة على رؤوس اللبنانيين لم نعد نعرف تمامًا وبالتحديد من أين تكون البداية، اللهم إذا كان لا يزال لدى الطبقة السياسية ذرّة من ضمير.
في حال سلّمنا جدلًا أن “الوحي” قد يهبط فجأة على الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، ويتوافقان في ليلة لا يوجد فيها ضوء قمر على تشكيل حكومة لا يكون فيها ثلث معطّل، وتكون حقيبة الداخلية من حصّة شخصية سنّية قريبة من “بعبدا” و”بيت الوسط” في آن، وأن تُعتمد وحدة المعايير، التي “فلقنا” بها الوزير السابق جبران باسيل، من دون أن ننسى بالطبع الحرص الذي يبديه على حقوق المسيحيين المهدورة، يبقى السؤال عن بداية الحلول في خانة الأحجيات، التي لا يكون عادة الجواب عنها سهلًا، خصوصًا مع هذا الكمّ الهائل من المشاكل والمصائب التي أغرقوا اللبناني في بئرها العميقة.
هذه الفرضية، التي تبقى من الأمنيات التي لا بدّ من أن تتحقّق في يوم من الأيام، وإن طال الزمن، تبقى فرضية ليس إلا، مع العلم أنه قد مرّ على الأزمة الحكومية، أو بالأصح أزمة اللبنانيين مع الطبقة الحاكمة، أكثر من سبعة أشهر، إذ تبيّن لنا أن هناك من يعدّ لنا أيام تخّلفنا وعدم القيام بالحدّ الأدنى من واجباتنا (المقصود هنا المسؤولين)، ومن بين الذين يحملون مثل هذا العدّاد وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، الذي على ما يبدو لم يعد يستطيع الصبر أكثر مما صبر، فوجّه كلامًا قاسيًا إلى الطبقة السياسية الحاكمة، ومما قاله إن الوقت ينفد أمام جهود منع انهيار لبنان، وإنه لا يرى أي بادرة تدّل إلى أن السياسيين اللبنانيين يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ بلادهم.
هذا الكلام هو كلام ديبلوماسي، مع أن لودريان في ما يتعلق بالأزمة اللبنانية يخلع عباءته الدبلوماسية ويتحدّث بكل واقعية وحدّية وجراءة، ويسمّي الأشياء بإسمائها من دون مواربة، وهو كاد يقول علنًا ما يقوله داخل الجدران الأربعة حول عدم مسؤولية المسؤولين، الذين يمكن وصفهم بما لا يمكن أن يخطر على البال من أوصاف غير صفة انعدام المسؤولية.
هل يعقل أن يكون البلد سائرًا، وبسرعة صاروخية، نحو الخراب والإنهيار، وقد اصبحت الحالة المعيشية للمواطنين أشبه بالبلاد التي يعيش فيها المواطن بدولار واحد في اليوم الواحد، في الوقت الذي لا نرى فيه أي مسؤول وقد رّف له جفن أو إهتمّ لمصائر الناس المغلوب على أمرهم، وهم الذين نزلوا إلى الشارع لإطلاق صرخة وجع فخُوّنوا، وإتُهمّوا بأنهم يقطعون الطرقات على الذين يريدون الذهاب إلى اشغالهم، وكأن هذه الأشغال “مقتلة بعضا“.
سؤال للمسؤولين الغائبين عن الوعي: الأ يسمح لكم وقتكم الثمين بأن تروا ما يحصل في السوبرماركات، وكيف أن الناس يتقاتلون على كيس حليب أو سكر؟
كفى. لقد “شحدتونا” الملح. إستحوا أمام الأجانب (لودريان)، وجرصتونا وبهدلتونا.
ينهي لودريان كلامه بأنه لا يزال هناك وقت للعمل اليوم، ولكن غدا سيفوت الأوان.
وأنا أنهي كلامي، الذي لن يكون له تأثير على هذه الطبقة، التي تجيب على من يبصق في وجهها “عم بتشتي الدني”، أنهي بالقول “استحوا على دمكم”.