مرة أخرى عنى انسداد الحل أن القطبة المحلية لا تقلّ أهمية عن القطبة الخارجية
مضى شهر على الاجتماع الخامس عشر بين عون والحريري في 12 شباط، وأخفقا في تفاهمهما بعد قطيعة 50 يوماً على اجتماع 23 كانون الأول. مذذاك المعادلة القائمة، المجمِّدة للتأليف، لا تزال إياها: يصرّ الحريري على حصوله على الوزراء السنّة الأربعة ويقصر عليه تمثيله طائفته، أعطى الثنائي الشيعي حق تسمية وزرائه الأربعة، منح وليد جنبلاط الوزير الدرزي الوحيد رافضاً توسيع الحكومة إلى أكثر من 18 وزيراً كي يحصر به تمثيل طائفته. أضف تمسكه بحقيبتَي الداخلية والعدل، بعدما كان أبدى تساهلاً حيالهما في أحاديث سابقة مع الرئيس قبل اجتماع 23 كانون الأول.
في حجة الرئيس المكلف أن إقصاء الكتل والأحزاب المسيحية عن المشاركة في الحكومة كالتيار الوطني الحر، ومقاطعة أخرى لها كحزبي القوات اللبنانية والكتائب، لا يفضي بالضرورة إلى حصول رئيس الجمهورية على الحصة المسيحية كاملة. لذا اقترح حقيبتين لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية مع أن كتلته لا تمثّل سوى أربعة نواب مسيحيين (زغرتاويان وكسرواني وكوراني)، ناهيك بوزير للحزب السوري القومي الاجتماعي ووزير لحزب الطاشناق ووزير للحريري بالذات، ما يحيل حصة رئيس الجمهورية من المقاعد المسيحية ما تبقى منها: أربعة وزراء.
نجاح الحريري في الحصول على حكومة بمواصفات وأحجام وتوازن كهذا من شأنه، في حسبانه، توجيه رسالة إيجابية إلى المملكة يَفترض أنها ترضيها كي تفك الحجْر السياسي عنه الذي يتطلبه ويحتاج إليه أكثر من أي وقت مضى. مفاد حجته أن رئيس الجمهورية، بعدم حصوله على نصاب موصوف، يصبح صفراً سياسياً ويفقد سيطرته على حكومته.
جواب الرئيس غير المتبدّل منذ الاجتماع الخامس عشر، إصراره على ستة وزراء زائداً الوزير الأرمني (الثلث+1)، مع قبوله بترشيحه أسماء لحقيبة الداخلية يختار من بينها الرئيس المكلف. وكانا توافقا على هذه الصيغة في الجلسات الأولى في ما بينهما، قبل أن يطلب الحريري حقيبتَي الداخلية والعدل لنفسه – وكان الرئيس طلبهما له أولاً – على أن لا يشاركه عون في الاقتراح أو التسمية. مذ تسلّم مسودة 23 كانون الأول التي رفضها بكليتها، أضاف الرئيس شرطاً جديداً هو حكومة من 20 وزيراً تكسر أحادية التمثيل الدرزي. لا يزال يصرّ على فصل الثلث +1 الذي يريده عن وزيري حزب الله، اعتقاداً منه – ويجاريه الحزب في وجهة النظر هذه – بأن حليفه قد تربكه بعض الاستحقاقات ولا يسعه مجاراة الرئيس فيها داخل مجلس الوزراء، وتفاديه كذلك أيّ ارتدادات شيعية – شيعية، أو شيعية – سنّية، أو شيعية – درزية.
مآل ذلك أن حزب الله، دونما تخلّيه عن رئيس الجمهورية، يتمّسك بالحياد في النزاع الناشب بينه وبين خصومه. أما هامش دعم عون فأوسع ممّا يُظن: ليس في وارد الضغط عليه لحمله على التنازل عن مطالبه، ولا في وارد تحريضه على الحريري. تفهّم الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله موقف الرئيس بمطالبته بـ20 وزيراً لتمثيل حليفهما الدرزي طلال ارسلان. ومع أنه لم يشاطره رأيه تماماً في الثلث+1، إلا أن تأييده حكومة من 20 وزيراً تجعل الثلث +1 مضموناً بوزير درزي ثانٍ، لا بوزير مسيحي يريده الرئيس في حزب الطاشناق، مضافاً إلى حصته هو من الوزراء المسيحيين.
تلك هي المعادلة المتوازنة القائمة حتى إشعار آخر، المجمِّدة تأليف الحكومة. وهو سيظل في رقاد طويل إلى أن يرن هاتف ما.
يشي ذلك أن كلا الرئيسَين، ومن وراء كلّ منهما حلفاؤه، يخوضان معركة أيهما يُخرِج التأليف من فم الذئب.
في ظنّ كل منهما أن الآخر هو الذئب.