ما بين 14 و8 آذار… طار البلد

14 مارس 2021
ما بين 14 و8 آذار… طار البلد

كما حنا كما حنين. 

هذا ما يمكن إستنتاجه بإختصار كلي لما آلت إليه حال البلد نتيجة التناتش التحاصصي المخزي بين المتساوين في مسؤولية الإنهيار.  
وعندما يقول “الثوار” والمنتفضون “كلن يعني كلن” فهذا يعني أن جميع الذين إصطفوا على ضفتي الأزمة بين تيارين متنازعين مسؤولون عن الأزمة الكبرى التي يعيشها اللبنانيون اليوم.   
فما بين قوى 14 و8 آذار، وما جمع بين كل فريق وما فرّقهما لاحقًا، قصة طويلة من المفارقات تبدأ ولا تنتهي.   
منذ 16 سنة أدخل كل من هذين التيارين البلاد في متاهات غريبة وعجيبة أدّت في نهاية المطاف إلى الحال المأسوية التي أوصلوا اللبنانيين إليها. فهم بأحزابهم وتياراتهم مسؤولون جزائيًا عن هذه السلسلة من المصائب، وهم بالتالي غير قادرين على إخراج البلاد من عنق الزجاجة.  

قد يقول بعض الذين يصطّفون هنا وهناك، غرائزيًا، إن في بعض ما نسّوقه الكثير من التجنّي، ولكل منهم نظريته ومنطقه الخاص به. نحن لا نجادل رغبة بالجدال العقيم، بل نحاول وضع الأمور في نصابها الصحيح وكما يراها المواطنون الذين لا ناقة لهم مع فريق 14 آذار ولا جمل مع فريق 8 آذار.  

بكل بساطة، ومن دون تحميل فريق دون الآخر مسؤولية ما نزل على رؤوس اللبنانيين من مصائب، نتطلع إلى النتائج. إنها مسؤولية مشتركة في السلبيات. وهذا ما كشفته التناقضات الجذرية على مستويين، الأول بين فريقي النزاع، والثاني داخل كل فريق. ومما لا شك فيه أن التضارب في المصالح الشخصية الداخلية والإرتباطات الخارجية هو ما أدّى إلى النتيجة المخزية التي أوصلوا لبنان إليها.  
ومن بين هذه النتائج، التي لا جدال حول أسبابها، الخفي منها والظاهر:  

– أن لا إتفاق على حكومة إنقاذ وكأن ثمة توافقًا ضمنيًا بين هاتين المجموعتين، أو ما تبّقى منهما، على إبقاء البلاد معلّقة على خشبة المصالح الخارجية، وعلى إطالة أمد عذابات اللبنانيين. 
فمنذ ما يقارب السبعة أشهر والبلاد مجمّدة عند بعض النقاط الخلافية بين رئيس الجمهورية وفريقه (8 آذار)، والرئيس المكّلف وفريقه (14 آذار أو ما تبّقى منه)، وهي نقاط، في رأي أوساط دبلوماسية متابعة، لا تبرّر رهن مصائر الناس، وهي بالعربي الدارج “مش حرزانة”، قياسًا إلى معاناة الناس اليومية.  
– الدولار تخطّى عتبة الـ 12 ألف ليرة، وهو مكمّل صعودًا، مع ما بلغه مستوى القدرة الشرائية لليرة اللبنانية، التي أصبحت في الأرض ولم يعد يكفي راتب شهر كامل لسداد حاجة يوم واحد. وما صرخة قائد الجيش سوى عيّنة عمّا يصيب شرائح المجتمع كافة، بعدما أصبح معظم اللبنانيين يعيشون تحت خطّ الفقر.
-القلق اليومي على المصير في ظل تزايد أعداد طلبات الهجرة لدى السفارات، التي لا تزال تفتح ابوابها لإستقبال اللبنانيين المنطبقة عليهم شروط الهجرة.  
-الشباب اللبناني حائر لا يعرف كيف يتدّبر أموره وقد أقفلت في وجهه إمكانات التوظيف بعدما “بق” الدّم في تحصيله العلمي.  
-لا أحاديث بين أفراد العائلة الواحدة سوى عن سعر الخبز واللحمة واللبنة والجبنة والفاكهة والخضار، خصوصًا أن ثمة شائعات كثيرة عن قرب فقدان بعض المواد الإستهلاكية الضرورية.  
-لا يزال بعض الحالمين وغير الواقعيّين يحاربون طواحين الهواء ويخربون الأرض حتى يصلوا إلى المواقع التي وصل إليها قبلهم، وكانت النتيجة كارثية. لا همّ لهم سوى كراسٍ لن تبقى واقفة على أرجلها الأربعة لتجلسوا عليها. 
-اللبنانيون المقهورون والمذلولون أمام المصارف وفي السوبرماركات لن يرحموكم، على أي ضفة تقفون. لن يفيدكم الخارج عندما تدّق ساعة الغضب الشعبي. 
في الذكرى السادسة عشرة يكفي أن ينظر اللبنانيون قليلًا إلى الوراء ليكتشفوا كمّ كانوا مغشوشين، وكمّ كانوا يُستعملون وقودًا في مدافىء الشعارات الزائفة. 
المسؤولية في خراب البلد مشتركة بين هذا وذاك. بسببكم طار البلد.