عون يكشف عن وجهه الحقيقي

18 مارس 2021
عون يكشف عن وجهه الحقيقي

لا ندري إذا كان ثمة من كتب هذه الكلمة القصيرة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أو هي من بنات أفكاره، والأرجح أن تكون كذلك، لأنه بهذه الكلمة المقتضبة كشف “الجنرال” عن وجهه الحقيقي، وأرانا ما كنا نعرفه عنه تمام المعرفة، خصوصًا أن المساحيق التي حاول البعض إضافتها لم تستطع أن تمحو من ذاكرتنا الصورة التي كان عليها “الجنرال” يوم جلس على كرسي بعبدا منذ ما يقارب 32 سنة، وأصرّ على أن يترأس الحكومة العسكرية غير الميثاقية بعدما إنسحب منها الشريك الآخر في المواطنة، ويوم أعلن حرب الإلغاء على فئة لبنانية لم تجاره في طروحاته.


بالأمس، وعلى مدى دقيقتين ونصف الدقيقة أكمل رئيس الجمهورية المشهدية، التي كان قد بدأها صهره الوزير السابق جبران باسيل في إطلالاته “الأحادية”، نسبة إلى يوم الأحد أولًا، ونسبة إلى “أنا أو لا أحد” ثانيًا، وفي الخطابين السياسيين تفصيل واحد، وهو إستفزاز جميع الذين لا يجاريانهما في نظرتهما إلى الأمور، وبالأخص الشرك الآخر، عبر التعدّي على صلاحيات رئاسة الحكومة ضاربين بعرض الحائط الدستور وما ينصّ عليه وما يحدّده من ترسيم واضح وصريح لحدود العلاقة المستقيمة بين السلطات الثلاث، إنطلاقًا من حرص المشرّع على التوازن السياسي القائم عليه البلد، خصوصًا أن لبنان لا يزال يُحكم طائفيًا، بعد فشل جميع السياسيين في تطبيق مضمون إتفاق الطائف في ما خصّ إلغاء بند الطائفية السياسية. كما اصر على تحدّي الرئيس المكّلف سعد الحريري، بعدما حاول إيهام الرأي العام بأن المشكلة الأساسية في عدم تشكيل حكومة هي عند الحريري، الذي يمثّل ما يمثّل على الساحة السياسية والسنية تحديدا.

وبهدف التعمية كان للرئيس عون موقف خالف كل التوقعات وخالف المنطق السليم ووضع في وجهه قسمًا كبيرًا ومهمًّا من اللبنانيين، الذين لهم تاريخهم المشرّف في وضع أسس العيش المشترك، حيث قال متوجهًا بكلامه للرئيس المكلف، وهي سابقة لم يسبقه إليها أحد من رؤساء الجمهوريات، “أما اليوم، ومن منطلق قسمي، وبعدما تقدم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعناوين مسودة حكومية لا تلبي الحد الأدنى من التوازن الوطني والميثاقية، ما أدخل البلاد في نفق التعطيل، فإني أدعوه إلى قصر بعبدا، من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معي، وفق الآلية والمعايير الدستورية المعتمدة في تأليف الحكومات من دون تحجج أو تأخير.
أما في حال وجد نفسه في عجز عن التأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني تتصدى للأوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد، فعليه ان يفسح في المجال أمام كل قادر على التأليف”.

الردّ على التخاطب التلفزيوني من قبل رئيس الجمهورية جاء من “بيت الوسط”، حيث وضع الرئيس المكّلف النقاط على الحروف ودعا في المقابل إلى إنتخابات رئاسية مبكرة “في حال وجد فخامة الرئيس نفسه في عجز عن توقيع مراسيم تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار الذي تعاني منه البلاد والعباد، فسيكون على فخامته أن يصارح اللبنانيين بالسبب الحقيقي الذي يدفعه لمحاولة تعطيل إرادة المجلس النيابي الذي اختار الرئيس المكلف، والذي يمنعه منذ شهور طويلة عن إفساح مجال الخلاص أمام المواطنين، وأن يختصر آلامهم ومعاناتهم”.

ويبقى أن نقول إن فخامة الرئيس كشف بكلامه الجديد – القديم أنه في وادٍ والشعب الذي يئن في وادٍ آخر. فقسم منهم يفترش الطرقات، وقسم آخر يفتش عن كسرة خبز يقتات بها هو وعياله بعدما أصبح رغيف الخبز هدفًا بحدّ ذاته، وقسم آخر رحل الى أقاصي الأرض هربًا من المجهول وتفتيشًا عن مستقبل لأولاده .

في بلاد الغربة التي يعيش فيها ابناء الوطن “الهشلانين” لا يوجد “رئيس قوي”، وهم أفضل حال من كثيرين يعيشون ولا يعيشون في وطن ضاقت فيه أحلامهم وكبرت فيه خيبات آمالهم.