الاقتحام الروسي لعمق الازمة أتى بشكل منسق إلى حد ما مع الإدارة الأميركية للحد من النفوذ الايراني والذي بلغ ذروته مع امساك حزب الله بالقرار اللبناني، كما التمدد خارج الحدود ليجعل حجمه يلامس البعد الإقليمي وربما الدولي ضمن المعادلات التي تحكم الاستقرار العالمي.
“انتفاخ” حزب الله استراتيجيا، اذا جاز التعبير حتم على إدارة الكرملين استهلال الاجتماعات مع القيادات اللبنانية مع وفد من حزب الله بقيادة النائب محمد رعد والبحث معه بقضايا تتجاوز البعد اللبناني لتصل الى عمق الحروب المشتعلة وأبرزها سوريا ، حيث تلعب موسكو الدور الأساسي و المحوري وفق تسليم أميركي كامل.
يمكن التأكيد ضمن قراءة سياسية لقصة التدخل الروسي المباشر في سوريا، بأن الإدارة الأميركية الحالية تستنسخ تجربة الرئيس السابق باراك أوباما العام 2013 و التي افسحت بالمجال أمام قدوم الدب الروسي إلى عمق الشرق الأوسط والحلول في الداخل السوري.
حينها تردد أوباما في قصف دمشق بعدما كان سفيره روبرت فورد يخوض معركة فك حصار المتظاهرين في مدينة حماه، ليتضح في ما بعد عن تفاهم أميركي – روسي يقضي بتقاسم عسكري مباشر وفق مناطق نفوذ النظام كما المعارضة.
هل يتكرر السيناريو في لبنان؟
تصعيد نصرالله في خطابه الاخير يوحي بأن نتائج مباحثات موسكو لم تكن مرضية ، وعليه لا بد من التصعيد السياسي ووضع سائر الأطراف تحت الضغط المباشر بما في ذلك المطالبة بحكومة سياسية تنسف عمليا ما تبقى من مبادرة فرنسية.
يكشف ديبلوماسي أوروبي عن وقوع لبنان ضمن فيلق زلزال الصراعات الدولية ما سيجعل الحلول صعبة المنال، و هذا ما يؤشر إلى التشاؤم البالغ و توقع المزيد من الازمات والتوترات التي ستعم الشارع دون القدرة على ضبطها.
لعل ما يؤكد ذلك، العجز التمادي عند الطبقة الحاكمة مقابل انعدام بدائل قادرة على استلام السلطة، و ما يزيد من تعقيدات الازمة اللبنانية بوادر المواجهة الشرسة التي تخوضها فرنسا للحد من النفوذ التركي في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
فلم يعد خافيا قيادة ايمانويل ماكرون حلفا إقليميا يجمع قبرص واليونان ومصر إلى جانب اسرائيل للجم طموحات اردوغان الإمبراطورية و سعيه مد نفوذه شرقا وغربا، كما بات واضحا انحياز الخليج و اصطفافه تلقائيا مع الحلف المذكور، كما العمل على ضم إيران ضمن بنك الأهداف و محاولة اقتلاعها من العراق و سوريا.
بالعودة إلى التدخل الروسي في لبنان ، تفيد أوساط متابعة عن تغليب الشأن الإقليمي ضمن مباحثات موسكو على الوضع اللبناني المأزوم ، ما وضع حزب الله أمام خيارات مؤلمة مثل الانسحاب من سوريا ووقف طريق الإمداد العسكري الممتذ برا من طهران حتى شواطئ المتوسط، بما يتماثل عمليا مع المطلب الأميركي ، بما في ذلك رفع شعار حكومة اختصاصين الذي يعد مجرد توطئة لتغيير شامل و جذري في لبنان.