واعتبرت صحيفة “النهار” أنه اذا كان اخفاق اللقاء الـ18 بين الرئيسين عون والحريري لم يفاجئ أحداً لانه كان ضمن التوقعات والمعطيات المعروفة مسبقاً، فان الامر الذي تجاوز أسوأ التوقعات قفز فجأة الى ما يمكن تصنيفه في أخطر محاولة انقلابية فعلا تولاها رئيس الجمهورية وفريقه في الساعات التي فصلت عن موعد اللقاء ليس للتخلص فقط من الحريري ودفعه الى الاعتذار، وفق ما كان خيّره الرئيس عون في رسالته العلنية الأسبوع الماضي، وانما أيضا لتفجير تطور انقلابي على ركيزة جوهرية من ركائز الطائف المتصلة بصلاحيات الرئيس المكلف بما يشكل واقعيا “حرب الغاء” أخرى على الطائف والحريري سواء بسواء. ذلك انه لم يسبق في سجل سوابق الازمات الحكومية ان بلغ الامر برئيس للجمهورية ان وضع توزيعة مفصلة بتركيبة حكومية وأرسلها الى الرئيس المكلف “للبصم” وتعبئة ما طلبه من فراغات بعدما اقتطع لنفسه وفريقه الثلث المعطل. فعل ذلك الرئيس ميشال عون بتعمد مزدوج واضح، أولا لإكمال نهجه في إهانة الرئيس الحريري وإقصائه، وثانيا في محاولة لتوظيف تطورات حصلت أخيرا وقرأ فيها وفريقه امكان التجرؤ على بروفة أولية لحرب الغائية للطائف. والحال ان عون وفريقه استندا في محاولة الإقصاء الفاشلة للحريري توظيف امرين، الأول الخطاب التهويلي الأخير للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في اتجاه سياسي انقلابي على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف واقتناص صلاحيات مخالفة تماما ومنتهكة للدستور لرئيس الجمهورية. والثاني “المرونة” التي اتسمت بها زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لقصر بعبدا السبت والتي فسرها العونيون استدارة لمحاصرة الحريري ودفعه نحو التنازلات امام عون. وهو الامر الذي يفسر إقدام عون وفريقه على ارسال تركيبة حكومية من بعبدا الى بيت الوسط عصر الاحد لضرب حديد هذا التوظيف وهو حام ومحاولة حشر الحريري مسبقا في الزاوية.
وكشفت المصادر لـ”نداء الوطن” أن “المغلّف” العوني هدف بالدرجة الأولى إلى استفزاز الحريري ودفعه إلى العدول عن زيارة قصر بعبدا الاثنين، ففي الشكل تم إرساله “بالبريد الرئاسي” وليس عبر موفد رئاسي ولا وسيط حكومي، وهو مذيّل بتوقيع رئيس الجمهورية تحت عنوان يتقصّد “تحقير” الرئيس المكلف عبر مخاطبته بـ”حضرة رئيس الوزراء السابق” مجرداً إياه من لقب “دولة رئيس الحكومة المكلف”، أما في المضمون فجاء “النموذج” الذي أرسله عون لتشكيلة الحكومة “ليمعن في إهانة الرئيس المكلف أكثر” لا سيما وأنه حمل طابعاً “إملائياً” توجه من خلاله عون إلى الحريري بالقول: “نموذج من المستحسن تعبئته”!
وإذ حافظ الحريري على رباطة جأشه وتعالى على “الأسلوب الاستفزازي الرخيص الذي يتوسله باسيل في سبيل تعطيل التأليف”، اعتبرت المصادر أنّ إصرار الرئيس المكلف على زيارة بعبدا “أتى من باب إحباط المخطط الهادف إلى دفعه إلى الاعتكاف عن الزيارة وتصويره على أنه يرفض التشاور وفق الأصول الدستورية مع رئيس الجمهورية، ومن جهة ثانية لرد المغلف إلى عون باعتباره “كأنه لم يكن” إفساحاً في المجال أمام مشاورات الفرصة الأخيرة لتشكيل حكومة اختصاصيين من دون ثلث معطل ولا تمثيل حزبي مباشر فيها، فكان ما كان على قاعدة “المكتوب يُقرأ من عنوانه” لناحية إصرار رئيس الجمهورية على الاستحواذ على الثلث المعطل في أي تشكيلة مؤلفة من 18 أو 20 أو 22 وزيراً، حسبما نصّ النموذج العوني للتشكيلة، على أن تشمل حصته وحصة تياره، وزارتي العدل والداخلية بالإضافة إلى وضع اليد من جديد على حقيبة الطاقة”.
الثنائي الشيعي على الخط
وسط هذه الأجواء، أشارت المعلومات الى ان الثنائي الشيعي يعمل على اعادة صياغة اتفاق ما بين الرجلين، أشارت صحيفة “اللواء” نقلاً عن مصادر قيادية في الثنائي الشيعي أن لا حكومة ستبصر النور ما لم يتفاهم الحريري مع عون ويتنازلا عن الثلث الضامن او يحصلا عليه سويا.
وكشفت المصادر ان البحث عن اي حل يجب ان يبدا من تعيين “وزير ملك” في اية حكومة مهما كان حجمها او شكلها، معتبرة ان توسيع الحكومة لن يحل المشكلة والرئيس عون من حقه الحصول على الثلث الضامن بمعزل عن حليفه حزب الله.
للمرة الاولى، يجري الحديث علنا عن تاييد شيعي لعون في مسالة الثلث الضامن، ابعد من ذلك، للمرة الاولى يقال ان عون او بالاحرى التيار الحر بحاجة الى ضمانات في مجلس الوزراء متمثلة بالثلث الضامن بمعزل عن الثلث الذي يشكله الحزب مع التيار..هنا لفهم الامور بشكل اوضح يصبح مشروعا طرح هذا السؤال :ماذا سيكون موقف الحزب في حال اي خلاف في “حكومة بهذا الثقل” بين التيار وحركة امل؟
اكثر من ذلك، جزمت المصادر ان تاليف الحكومة سيطول اذا لم يقتنع الحريري انه لا يمكن تهميش عون ودوره وموقعه، مؤكدة نقلا عن حزب الله ممانعته تهميش حليفه والتعامل معه بطريقة استعلائية كالتي تصرف بها الحريري سابقا حين طلب منه تسمية وزيرين مسيحيين فقط.
ولاحظت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ”اللواء” أن ورقة الرئيس المكلف انطوت على محاصصة واضحة بين الأحزاب والافرقاء، وفي حين خلت ورقته من منصب نيابة رئاسة مجلس الوزراء، أدرجت في الورقة الرئاسية مع وزارة الدفاع.