بعد اللقاء “المتشنّج”، أجمعت كلّ القراءات والمطالعات على أنّ طريق الحلّ الحكوميّ “مسدود”، وكلّها تبدو واقعيّة ومنطقيّة، باعتبار أنّ “السلبيّة” طغت على المشهد، في ظلّ “التصلّب” الواضح، بعيدًا عن أيّ مرونة أو ليونة مطلوبة، واستنادًا إلى أنّ “التعايش” بين الرئيسين عون والحريري بات “مستحيلاً”، بكلّ ما للكلمة من معنى.
لكنّ مثل هذا “الانسداد” يعني أن لا حلّ سوى باعتذار الرئيس المكلّف أو استقالة رئيس الجمهورية، وكلا الخياريْن يبدو أقرب إلى “المحظور” في الظروف الحاليّة. فهل يسلّم المعنيّون بالأمر الواقع، وتوضَع الحكومة على “الرفّ” بانتظار “معجزة” قد لا ينجح في تحقيقها، سوى دفع دوليّ ضاغط قد يأتي، ولكنه قد لا يأتي أبدًا؟
هذه أسُس الحلّ!
رغم أنّ ما سبق يبدو بديهيًا من الناحية العمليّة، في ضوء مجريات لقاء الإثنين غير الموعود في بعبدا، وما سبقه ونتج عنه من مشهدٍ “سوداويّ” إلى حدّ بعيد، إلا أنّه لا يعكس الصورة الحقيقيّة، وفق ما يؤكد العارفون، الذين يلفتون إلى أنّ الطريق أمام الحلّ لم تُقطَع بعد، وأنّ أسُس هذا الحلّ متوافرة، إذا أراد المناوِرون والمماطِلون فعلاً سلوك دربه.
ويحيل العارفون المهتمّين في هذا السياق إلى البيان الذي صدر عن رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، ومعهم رئيس الحكومة المكلَّف، والذي تضمّن أسُس الحلّ بكلّ وضوح، وبما لا يدع مجالاً للالتباسات والتكهّنات، وعنوانها أنّ “الدستور له نصوص عندما يتمّ الالتزام بها لا يضلّ من بعدها المسؤولون”، وفي ذلك دعوة واضحة للتقيّد بنصوص الدستور، الذي يحدّد آليات تشكيل الحكومة، المعمول بها منذ اتفاق الطائف.
بهذا المعنى، فإنّ المطلوب من المعنيّين بتأليف الحكومة، وفق هؤلاء، هو العمل بمقتضى الدستور، الذي ينصّ على أنّ الرئيس المكلّف هو من يشكّل الحكومة، بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، وليس العكس، بمعنى أنّ دور رئيس الجمهورية هو أن يناقش الرئيس المكلّف بالتشكيلة التي يقدّمها له، وليس بتشكيلها نيابةً عنه، ودعوته لملء الفراغ بالأسماء الناقصة، بعد سؤال المرجعيّات المحدّدة عنها، كما جاء في ورقة الرئيس التي سمّاها “منهجيّة”.
“استهدوا” بروحيّة البيان!
لا تُعَدّ الأسُس السابقة “استثناء”، إذ لطالما تمّ العمل بها، في حكومات ما بعد الطائف، بما فيها تلك التي تشكّلت خلال “العهد” الحاليّ، ورغم أنّ بعض هذه الحكومات استغرق وقتًا طويلاً ليبصر النور، نتيجة بعض المشاحنات والخلافات، إلا أنّها لم تكن تصل للدرك الذي وصلت إليه هذه المرّة، وأوحت بأنّ البلاد أمام أزمة نظام، لم يتردّد البعض في “صبغها” بالطائفية والمذهبية كما يحلو له ويشتهي.
ولكن، إذا كانت هذه “الأسُس” توفّر “خريطة طريق الحلّ” في الظروف العاديّة، فيُفترَض بها أن تصبح أكثر “إلزاميّة” في مرحلةٍ دقيقة وحَرِجة كالتي تمرّ بها البلاد اليوم، لأنّ أيّ “ثغرة” في النظام، إن وُجِدت، ينبغي أن يُرجَأ النقاش في شأنها إلى الوقت المناسب، وهو بالتأكيد ليس في “ذروة” أزمة الدولار الذي يحلّق بوتيرة جنونية، والجوع الذي يستشري بين الناس، والبطالة التي ترتفع مستوياتها، والغلاء الذي يكاد يقضي على الأخضر واليابس.
ويخلص العارفون إلى أنّ من يريد الحلّ، فعلاً لا قولاً، يجب أن “يستهدي” بروحيّة بيان رؤساء الحكومات السابقين، الذين أصابوا “الجوهر” بدعوتهم المتجدّدة إلى “تشكيل حكومة إنقاذية ذات مهمّة محدّدة مؤلفة من ذوي الكفاءات المستقلين غير الحزبيين، تستطيع أن تعمل كفريق متضامن بعيدًا عن الانخراط في سياسات المحاور والصراعات الضارة، وبالتالي تحظى بثقة اللبنانيين وثقة المجتمعين العربي والدولي وتستطيع أن توقف الانهيار”.
لعلّ هذه هي باختصار “كلمة السرّ” لمن يبحث جديًا عن حلّ للأزمة الحكوميّة، بعيدًا عن التمسّك بثلثٍ ضامنٍ أو معطّل لا قيمة له إذا ما سقط الوطن، وعن حقيبة “دسمة” لا تساوي شيئًا أمام معاناة الناس، وبالتأكيد بعيدًا عن تصلّب لا يجد ضالته سوى في “نكايات وتحديات” لم يسأمها اللبنانيون فحسب، ولكنّهم ما عادوا قادرين على تحمّلها، مقارنة مع “المصيبة الكبرى” التي يعيشونها، بكلّ تفاصيلها!