مع أن الوضع المعيشي المتردي لا يميّز بين لبناني وآخر من حيث النتائج نرى بعض اللبنانيين منقسمين بين بعضهم البعض، طائفيًا ومذهبيًا، وحتى في كثير من الأحيان بين الطائفة الواحدة.
فما نشهده من نزاعات وصراعات يتخذ أشكالًا عدّة بين الفريقين المارونيين، أي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” غير بعيد عن “الثنائي الشيعي”، أي “حزب الله” وحركة “امل”، وإن كانت وسائل التعبير عن الخلاف تتباعد أحيانًا وتتقارب أحيانًا أخرى، ناهيك عن الخلافات الدرزية – الدرزية بين “الحزب التقدمي الإشتراكي” و”الحزب الديمقراطي“.
ما يجري على الساحة المسيحية، خصوصًا مع وصول “المتسابقين” إلى الخطوات الأخيرة من خطّ النهاية، هو صراع على الكرسي الرئاسي، إذ أن المعركة الرئاسية تبدأ عادة وفي الأيام الطبيعية في آخر سنتين من كل عهد، فكم بالأحرى في هذه الظروف، إذ يبدو أن المعركة بين الطامحين للرئاسة، وهم كثر، قد بدأت منذ اليوم الأول لولاية الرئيس ميشال عون، فالوزير السابق جبران باسيل يعتبر أن العهد القوي بمعناه الحصري سيبدأ معه، وأن الفترة الرئاسية العونية هي بمثابة مرحلة تمهيدية للرئاسة الباسيلية، وهذا ما جعل المعركة تُفتح على مصراعيها بين الطامحين، الذين يرون في باسيل إستكمالًا للعهد الحالي، وهو الذي أخضع نفسه لـ”ستاج” كافٍ، مع ما شهده اللبنانيون من تدهور مخيف على كل الصعد في هذا العهد، الأمر الذي يستوجب تغييرًا جذريًا في الذهنية وفي النهج وفي الأسلوب.
أما على صعيد الخلاف المستجدّ بين “حركة امل “و”حزب الله” فيبدو ظاهريًا أن حليفي الأمس، ووفق ما يتمّ تداوله من حملات متبادلة من قبل جمهور الطرفين، غير متفاهمين في هذه المرحلة المفصلية على أمور كثيرة، ومن بينها موضوع الحكومة، حيث بدا التباين بينهما واضحًا من خلال كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، الذي نصح الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة سياسية، والبيان الذي صدر عن حركة “امل”، التي طالبت بحكومة إختصاصيين ووقفت إلى جانب الرئيس المكّلف من هذه الزاوية بالتحديد، مع حرص القيادتين على تنظيم الخلاف وعدم التفريط بالتحالف الإستراتيجي بينهما، والعمل للحؤول دون تفلّت الشارع وضبط أي خلاف أو إشكال، فرديًا كان أم جماعيًا.
وهذا الخلاف تمظهر في شكل جلي وواضح من خلال التعاطي المتعاكس حيال الطريقة الأمثل لإصلاح ذات البين بين الرئيسين عون والحريري. ففي حين بدا “حزب الله” حائرًا ومحرجًا بين تأييد الرئيس عون والوقوف معه على خط المواجهات الكثيرة الجبهات وبين الإستمرار في دعم الرئيس الحريري، نرى حركة “امل” مؤيدة إلى أقصى حدود مواقف الرئيس المكّلف، حيث لا يتوانى رئيس مجلس النواب نبيه بري على تقديم جرعات الدعم للحريري، لقناعته بأن تشكيل الحكومة هو الاساس المطلوب، وهو يرى في طروحات رئيس تيار “المستقبل” ما من شأنه أن يسرّع عملية التشكيل على عكس مواقف بعبدا، ومن خلفها باسيل.
أمّا على الخط الدرزي – الدرزي فإن الخلافات السياسية تُترجم عادة توترًا على الأرض في غير منطقة، الأمر الذي يستدعي تكثيف الإتصالات على أعلى المستويات من أجل حصر إطار التوترات وإهمادها في زمانها ومكانها والحؤول دون تمدّدها وإنتشارها، ولذلك عُقد مؤخرًا لقاء بين الوزير السابق وليد جنبلاط والنائب طلال إرسلان، اللذين أبديا حرصهما على وحدة أبناء الطائفة ومنع أي تقاتل آخر، والحؤول دون دخول طابور خامس على خط التوترات الفردية.
وعليه، فإن اللبنانيين الذين يعيشون على خط الفقر، إجتماعيًا ومعيشيًا، باتوا يعيشون على خطوط التوترات الحزبية والفئوية، مما يزيد من قلقهم وخوفهم من المستقبل وعليه.