صدر عن نقيب المحامين في بيروت بيان عن مسألة “تمويل” القطاع العام مِن أموال المودعين، جاء فيه:
إزاء التدهور الخطير للوضع الاقتصادي والمالي والنقدي الذي يعيشه اللبنانيُّون، وأمام المخالفات الجسيمة لأحكام الدستور والقوانين والمبادئ الأساسية التي ارتكبها مصرف لبنان والمصارف المؤتمنة على ودائع المواطنين، وعلى جنى عمرهم، والتي لا تزال مستمرّة لحينه،
وأمام الخطر المُحدق الذي يتهدّد ما تبقّى من المدّخرات لجهة استعمالها بشكل غير قانوني لتمويل القطاع العام المُعْسِر بإقرار كافّة الجهات الماليّة المحلّية والدولّية،
نُبدي ما يأتي:
لا نقبل بتاتاً أن يُخيَّر اللبنانيُّون بين توقّف المرافق العامّة عن العمل واستعمال ما تبقّى لهم مِن أموال في المصارف لتشغيل هذه المرافق. فتشغيل المرافق العامّة هو مسؤوليّة الدولة وليس مسؤوليّة المودعين. وعلى من أوصل القطاع العام إلى ما وصل إليه أن يتحمّل تبعات ارتكاباته ويؤمّن التمويل المناسب.
إنَّ أموال المودعين الموجودة في المصارف وبالتالي لدى مصرف لبنان هي ملكهم، والملكيّة الخاصّة مصانة في المادة ١٥ من الدستور. فليس لمصرف لبنان أن يستعملها على هواه.
للتذكير، فإنّ المبدأ المُكرّس في المادة ٩٠ من قانون النقد والتسليف هو أنّه يُمنع على مصرف لبنان إقراض القطاع العام، أمّا الاستثناء الضيّق الملحوظ في المادة ٩١ وما يليها فهو السماح بالإقراض ضمن آليّة وشروط صارمة. فكلّ ما حصل خلال الأعوام الماضية من إقراض مُفرط للقطاع العام مِن قبل مصرف لبنان، بمشاركة المصارف، يُشكِّل مخالفة جسيمة لهذا القانون ولأحكام الدستور.
لن ندخل في جدل عقيم حول طبيعة الاحتياطي الإلزامي المودع قصراً مِن قبل المصارف لدى مصرف لبنان ومقارنته بـ”الودائع العاديّة” المودعة طوعاً مِن قبل المصارف لدى المصرف المركزي: فكلّ هذه الأموال هي ملك المودعين ولا يعود لأحد أن يقرّر طريقة استعمالها بعد الآن. فقد خسر المودعون معظم مدّخراتهم، وما تبقّى منها لدى مصرف لبنان هو أمانة لديه غير قابلة للاستعمال والهدر. فيتوجّب على مصرف لبنان إعادتها فوراً إلى المصارف، لكي تعيد هذه الأخيرة إلزاميّاً إلى المودعين كلّ دولار يفوق الاحتياطي الإلزامي. وبالتالي يُمنع على مصرف لبنان استعمال الاحتياطي الإلزامي سوى للغاية التي من أجلها أنشئ: هذه الغاية، المحصورة بحاجات القطاع المصرفي، بكل تأكيد لا تتضمّن تمويل القطاع العام.
لكلّ ذلك، وجّهنا يوم أوّل مِن أمس في ٢٠٢١/٣/٣٠ كتابين:
الأولّ، موجّه إلى مصرف لبنان، ذكّرناه بموجبه بوجوب تطبيق أحكام المادّة ٩٠ وما يليها من قانون النقد والتسليف وطالبناه بالتوقّف عن استعمال الأموال المتبّقية لديه لغير الغاية المعدّ لها؛
والثاني، موجّه إلى جمعية المصارف، رفعنا عنها بموجبه ما تزعمه مِن “حُسن نيّة”، لمعرفتها التامّة بِعِسِر القطاع العام وبمخالفة مصرف لبنان للدستور والقانون في استعمال الأموال المودعة لديه من قبل المصارف، وطالبناها فيه باتّخاذ كافّة الإجراءات القانونيّة والقضائيّة مع المصارف باتخّاذ كافّة الإجراءات القانونيّة والقضائيّة في لبنان ولدى المصارف المراسلة لمصرف لبنان لمنع هذا الأخير من التصرّف بما تبقّى لديه مِن أموال المودعين.
ومتابعةً لما وعدت به نقابة المحامين، سوف تطلب من المدقّق الجنائي Alvarez & Marsal التدقيق في كيفيّة تطبيق مصرف لبنان للمادة ٩٠ وما يليها من قانون النقد والتسليف خلال العقود الماضية لتبيان مسؤوليّات كافّة أجهزته بدءاً من الحاكم ونوّابه إلى المجلس المركزي ومفوّض الحكومة وممثّلي وزارة الماليّة ووزارة الاقتصاد وكلّ معني شارك أو سكت عن المخالفات والارتكابات.
إنّ نقابة المحامين لن تألو جهداً على كلّ الأصعدة ولدى كلّ المراجع في لبنان والخارج لحماية ما تبقّى مِن أموال المودعين في مصرف لبنان.