مرة جديدة يتارجح الامل بتشكيل الحكومة العتيدة، بين التفاؤل الحذر، “وشيطان” التفاصيل الذي يهدد بنسف كل الاجواء التي توحي بحصول تقدم جدي للمرة الاولى منذ اشهر، وكأنه مكتوب على هذا البلد أن يبقى في مرحلة الجلجلة والصلب ومن دون أن يرى القيامة الحقيقية.
من اليوم وحتى صباح الثلاثاء تدخل البلاد فعلياً في عطلة عيد الفصح ما يشير عملياً الى تراجع وتيرة الاتصالات بين الاطراف، على وقع سفر الرئيس سعد الحريري.
مبادرة بري
وسط هذه الأجواء، تبقى الأنظار مشدودة الى عين التينة والمبادرة التي يعمل الرئيس نبيه بري على صياغتها على وقع الاتصالات المستمرة مع أكثر من فريق للوصول الى توافق نهائي. الاّ ان الساعات الأخيرة لم تحمل مؤشرات واقعية على ان تكون وساطة بري قد لاقت الضمانات او الموافقات الكافية والواضحة والحاسمة لتجعل بري يدير محركاته علناً ورسمياً ويندفع نحو إتمام مبادرته بلا خوف وحذر من إفشاله مجدداً بحسب “النهار”. وهو الأمر الذي ابقى المداولات في اطار استجماع إيجابيات مبدئية من الافرقاء المعنيين ولكن من دون ان ترقى هذه الأجواء الى مستوى تقدم جدي وملموس يبنى عليه لتوقع اختراق في الازمة.
وبحسب “اللواء” فان العقبات والعراقيل لم تذلل وكشفت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة ان الأفكار التي تم التداول بها سياسيا واعلاميا في الايام الماضية فيما حاول البعض وضعها في خانة المبادرة، علقت لدى الفريق الرئاسي وتحديدا لدى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي يشترط قبل مقاربة البنود والافكار الواردة فيها فتح حوار مباشر مع الرئيس المكلف أسوة بما يحصل مع رؤساء الكتل الاخرى كما يدعي، في حين ترددت معلومات بأن هذه المسألة اثيرت مع الرئيس بري الذي تعهد المساعدة لحلها بعد تشكيل الحكومة الجديدة مباشرة، بينما لم يتم حسم موضوع تنازل رئيس الجمهورية ميشال عون عن الثلث المعطل في التركيبة الحكومية، وبقيت هذه المشكلة موضع اخذ ورد، وقد لوحظ ان هناك عوائق وشروط مستجدة يحاول باسيل طرحها للاتفاق عليها مسبقا ومنها موضوع توزيع الحقائب الوزارية ولاسيما منها الخدماتية والدسمة على المسيحيين تحديدا، ما ادى الى برودة ملحوظة في تسويق ما تبقى من افكار وطروحات، وتريث الرئيس نبيه بري في زيارة قصر بعبدا كما تردد منذ ايام أو حتى في إيفاد ممثّل عنه لمناقشة الأفكار المتداولة.
ولكن المصادر المتابعة اعربت عن اعتقادها بان تشهد الايام القليلة المقبلة حلحلة ملحوظة لانه لم يعد بالامكان عرقلة أو تجميد المساعي والجهود المبذولة، وبعدما بات رئيس الجمهورية وصهره ملاما ومتهما بتعطيل تشكيل الحكومة واستنادا الى تسارع الاتصالات والضغوطات لاسيما بعد الاتصال الذي جرى بالامس بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان مااعطى زخما للمبادرة الفرنسية، يتوقع ان تتبلور نتائج ماحصل في زيارة يقوم بها بري الى بعبدا قريبا لترجمة الأفكار والصيغ الى واقع ملموس.
بعبدا تشكك!
وعلى الرغم من المناخات التفاؤلية التي حاول البعض بثها حيال هذه المبادرة، الا ان بعبدا حرصت على عدم اظهار نفسها منشغلة بها. ووفق القريبين من بعبدا فان موقف رئاسة الجمهورية هو ان ما يسهل التأليف تذهب اليه، ولا سيما ان رئيس الجمهورية ميشال عون من حيث المبدأ ليس ضد تشكيلة من 24 وزيراً. وكان قد استمع اليها من رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط . ولم تتجاوز حدود الطرح اي بمعنى انها لم تصل بعد الى قيد الدرس او ان اطرافا ما تنتظر جواباً رسميا من بعبدا. ويبقى الاهم لدى الاخيرة والاساسي بالنسبة لها هو ان تأتي هذه التشكيلة وفق الالية الدستورية. وان الرقم مهم من اجل ان لا يكون اقصائياً لأي جهة.
وفي هذا الصدد، اعتبرت المصادر العونية لـ”الأخبار” أن الرئيس يعتبر أن التسمية الأصح للصيغة المطروحة هي 8+8+7+1 (وزراء الرئيس والطاشناق). لكن من الضروري الالتفات، بحسب المصادر نفسها، إلى أن الأمر يجب ألا يحصر بالحديث عن التقسيمة، بل عمّن يسمي الوزراء. فهل المقصود أن يسمّي الرئيس وزراءه السبعة، أم أن الحريري يريد أن يسمّي هنا أيضاً؟ هذا يعني أننا لا نزال مكاننا كما في صيغة الـ 18. لذلك أي مبادرة حول الـ 24 وزيراً يجب أن تتضمن بوضوح موضوع من يسمي الوزراء وليس فقط عدد الوزارات وتقسيم الحقائب على الأطراف.
…وبيت الوسط يرد
في المقابل بدا لافتا ان مصادر “بيت الوسط” تتعامل مع مبادرة الرئيس بري على أساس الأفكار التي طرحها قبل أسابيع وليس عن الأفكار الجديدة التي طرحها رئيس جنبلاط . وأكدت هذه المصادر لـ”النهار” امس ان الرئيس الحريري سافر الى الإمارات العربية المتحدة في رحلة عمل سريعة تستمر ساعات لكن هاتفه يعمل ضمن نطاق التغطية، وفي حال موافقة فريق رئيس الجمهورية على مبادرة الرئيس بري التي تقوم على تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين وفق ما نصت عليه المبادرة الفرنسية ومن دون ان ينال أي فريق الثلث المعطل فيها، فان الرئيس الحريري جاهز للعودة فورا. وأشارت مصادر بيت الوسط الى انه الأجدى بفريق العهد ان يبتعد عن اتخاذ الذرائع غير المقنعة للتهرب من مسؤوليته في المراوحة بغية المماطلة والتعطيل مجددا.
وإذ أكدت أوساط مواكبة للملف الحكومي لـ”نداء الوطن” أنّ الرئيس المكلف يبدي جهوزية للتأليف “أمس قبل الغد” بدليل تقديمه تشكيلة وزارية متكاملة من الاختصاصيين، ومحاولاته الدؤوبة لتدوير الزوايا مع رئيس الجمهورية على مدى 18 لقاء بينهما، أشارت في المقابل إلى أنّ “المشكلة الحقيقية لم تعد في مغادرة الحريري أو عودته، إنما في كون رئيس الجمهورية ميشال عون يبدو وكأنه “هون ومش هون” في ظل تسليمه مقاليد القرار الرئاسي في قصر بعبدا إلى جبران باسيل، مسلّماً تسليماً تاماً بشرط استحواذه على “الثلث المعطّل” في التشكيلة الوزارية العتيدة، وهذه هي العقبة الأساس التي لا تزال تجهض المبادرات وتمنع التأليف”، مشددةً في ما يتصل بمبادرة “الـ888” التي يرعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري على أنها “ما زالت تصطدم بهذه العقبة، في ظل تمنّع باسيل عن إعطاء ضمانة صريحة بالتخلي عن شرط “الثلث المعطل” لإطلاق عجلة توسيع التشكيلة الحكومية إلى 24 وزيراً وفق صيغة لا تمنح أي طرف القدرة على تعطيل قرارات مجلس الوزراء”.