سويف للشباب في أحد القيامة: لا تخافوا فانتم نبض الوطن الذي يترجّى تغييراً ذهنيا لعيش قِيَم المواطنة

4 أبريل 2021

احتفل راعي ابرشية طرابلس المارونية، المطران يوسف سويف بالقداس الالهي لمناسبة “أحد القيامة”، في كنيسة مار ميخائيل في طرابلس، حيث قرعت الاجراس فرحا بقيامة الرب يسوع من بين الاموات.

القداس الذي حضره مجموعة من المؤمنين، اخذين بعين الاعتبار التوصيات الوقائية الخاصة بفيروس كورونا، جاء علامة رجاء وفرح بظل الازمات الممتالية التي يعيشها الوطن.

 وخلاله توجه راعي الابرشية، بالمعايدة الى كل اللبنانيات واللبنانيين،كما الى ابناء ابرشية طرابلس، إكليروساً وعلمانيّين، متمنّياً لهم فصحاً مجيداً، “نعبر فيه مع المسيح القائم من واحة حزنٍ وألمٍ نوجَد فيها في خضمّ الظروف التي يمرّ بها وطننا الحبيب لبنان الى واحة الأمان والإستقرار”.

وبعد الانجيل المقدس، تلى سويف العظة، فأكد اننا “على مثال يوسف، نجد أنفسنا أمام تحدّيات شتّى. منها المجهول الذي ينمّي فينا الخوف، لكنّه في الوقت عينه يحثّنا على الإستسلام للعناية الإلهيّة. ومن الإختبارات الموجعة اليوم، وباء كورونا الخبيث إذ يخلق قلقاً وخوفاً في النفوس، فلا يسعنا إلّا أن نتضامن مع مرضى وضحايا الفيروس ونستحضر أرواح أحبّائنا الذين غابوا عنّا. أضف الى ذلك التدهور الإقتصاديّ وانعكاساته الإجتماعيّة المؤلمة في الوطن”. 

وأضاف، “من التحدّيات ايضا، الخوف من الآخر الذي يستوجب علينا أن نجدّد الثقة بالله وببعضنا البعض في روح “الأخوّة الشاملة”. فإيديولوجيّة الخوف من الآخر “Xenofobia” تتغذّى بالخطاب الشعبويّ الذي يترافق مع منظومة الفساد، وخلق الحواجز النفسيّة والفكريّة والمادّيّة بين الناس ورفض الإختلاف ومحاربة قِيَم التعدّديّة مصدر غِنى المجتمع الإنساني”. 

كما رأى انه “من أخطر التحدّيات هي اللامبالاة تجاه الآخر المتألّم والمجروح والمنبوذ والمُهمَّش والمُلقى على قارعة الطريق. إنّها لَخطيئةٌ كُبرى يرتكبها الإنسان بحقّ أخيه وهو لا يدري شناعتها وقساوتها، وتُواجَه بنعمة التضامن الأخوي والإنحناء نحو 

 وهذا ما يعاني منه وطننا الحبيب لبنان الذي يتوق منذ عقودٍ أن ينعم بالسلام والإستقرار ويتطوّر بالقِيَم الروحيّة والإنسانيّة وبالأخلاق. ومن التحدّيات تشويه الخليقة، بيتنا المشتَرَك، يُواجَه بالمصالحة مع الله والذات والآخَر والكون، كما يدعونا البابا فرنسيس الى توبة إيكولوجيّة تقتضي التلاقي بالإنسان وتنقية الذاكرة من جراح التاريخ والحفاظ على بيئة سليمة يعيش فيها الإنسان بسلام”.

واكد سويف ان السلام، “ينبع من الإيمان بالقائم والإعتراف به والإلتزام بمشروعه، على مثال تلميذَي عمّاوس، فننطلق بعد كلّ قدّاس لنشر فرح اللّقاء بالمسيح الحيّ.

 فرحٌ يتواصل بشهادتنا ككهنة ومكرّسين ومكرّسات فنكون بجانب شعبنا، ونثبّت الرجاء ومحبّة الله والتشبّث بأرض الوطن. فلنعِش إيماننا مُجَسِّدين بساطة الإنجيل في بيوتنا وعيالنا، عبر فضيلة القناعة، والإتّكال على الله. 

ويتجسد الإيمان أيضاً بالخروج من تقوقع الأنانيّة، والاهتمام بالفقراء والمحتاجين والمرضى والإصغاء لهم، وتلمّس حاجاتهم. وأنتم أيها الشباب، لا تخافوا! فالمسيح يحبّ جرأتكم وشجاعتكم، وأنتم نبض الوطن الحيّ الذي يترجّى تغييراً ذهنيا لعيش قِيَم المواطنة”. 

 واردف، انه “بالقيامة جُعِلْنا خليقة جديدة بالمسيح؛ فمنذ إنشاء العالم، خلق الله الإنسان على صورته ومثاله (تك1: 27)، وأحبّه، إلّا أن الإنسان، خالف الوصيّة بأنانيّته وكبريائه وخطيئته وحسب نفسه “السيّد”؛ وازداد شرّه وقتل الآخر معتقداً أنه ينتصر، ففوجئ بموت نفسه. لم يقف الله مستسلماً فأرسل ابنه الوحيد متجسداً من الروح القدس ومن مريم العذراء ليحقّق الخلق الجديد بعد أن فَسُد الخلق الأوّل، ورمّم الأيقونة التي تشوّهت (2 كور 5: 17)، وغلب الموت بالحَمَل الذي ذُبح لأجلنا. إنّها لحظة القيامة وقوّة الحبّ واللّطف الإلهيّين”. 

مشيرا الى ان “حياتنا مع الله هي دائماً زمنُ نعمةٍ، نلتمسه بالتأمّل بفضائل القدّيس يوسف وروحانيّته. وفي هذه السنة أعلن قداسة البابا فرنسيس سنة القديس يوسف موجِّهاً رسالة عامّة رعويّة بعنوان: “بقلبٍ أبويّ”. فيوسف هو المربّي لإبن الله في مرحلة النمو بالقامة والنعمة والحكمة والمرافِق لمَن رافَق تلميذي عمّاوس (لو 24: 15). يوسف المُزيّن بالصمت ليس رجل الكلام بل الفعل والمبادرة. إنّه الرجل القويّ، ورجل الصلاة والتأمّل بكلمة الله والمصغي لإلهاماته. فلْنصمت ونَعُدْ إلى أعماقنا، مُنصتين لله ومستسلمين لإرادته فنُقَاد الى الإصغاء المُحِبّ لأخينا الإنسان. ولْنتسلّح بالصلاة، حوارنا اليومي مع الله فنرسّخ حوار الحياة مع إخوتنا البشر وتتحول صعوباتنا إلى نعمة وفرصة جديدة. لِنتقوّى بالربّ كيوسف، الرّجل الخلّاق الذي واجه المحنة، إذ لم يستسلم، وتقوّى بثقة الربّ به واتّكاله عليه، وبحث عن الحلول وابتدعها دون تذمّر ليحمي الطّفل الإلهي. إنّها دعوة لنا، في لبنان، كي نتحلّى بالشجاعة الخلاقة لنحُلّ الأزمات بروح الإبداع والرّجاء قارئين علامات الأزمنة بأنوار المسيح، فصحنا ورجاؤنا”. 

داعيا في الختام الى “السيرمع القائم، مثل تلميذي عمّاوس، اللّذَين عرفاه كقائم وحيّ عند كسر الخبز (لو 24: 35) فيشدّد وحدتنا التي نحن بأمسّ الحاجة الى عيشها وتجسيدها من خلال محبّتنا للربّ وبعضنا لبعض”.