في العام 1987، وكان يومها وزيرًا للمالية في حكومة الرئيس رشيد كرامي، قال الرئيس كميل شمعون إنه إذا لم نرفع الدعم فإن لبنان ذاهب إلى إفلاس حتمي.
هذا الكلام قيل قبل أن يولد كثيرون ممن هم اليوم في هرمية المسؤولية، أو على الأقل كان بعض منهم لا يزالون يلعبون بـ”الكّلة“.
ليس إنتقاصًا من هذا أو تقليلًا من شأن هذا او ذاك أن نذكّر بكلام الرئيس شمعون قبل 34 سنة، عندما حذّر من مغبة سياسة الدعم. فالرجل كانت له رؤية بعيدة الأفق، ورأى ما لم يره الآخرون، الذين لا يرون ولو عن بعد مسافة “فشختين”. فسياسة قصر النظر هي السائدة اليوم، على رغم الكلام الذي قاله أحد المراجع السياسية منذ قبل أن تقع الواقعة المالية والإقتصادية عندما تحدّث عن تطويل عنق زجاجة الأزمة، وهو الذي حذّر من الوصول إلى ما وصلنا إليه، في الوقت الذي كان البعض يحاول التخفيف من خطورة ما قاله البطريرك الراعي، الذي كان أول من حذّر من وصول البلاد إلى الإفلاس، على اثر لقائه الرئيس عون قبل ما يقارب السنتين، أي قبل 17 تشرين الأول بقليل.
كان همّ “اركان “القصر الجمهوري في حينه تلطيف كلام سيد بكركي والتقليل من مفاعيله. وكان الهدف أيضًا عدم الإفساح في المجال أمام أي “مستغّل” بأن يقول إن الإفلاس يمكن أن يحصل في خلال فترة ولاية “العهد القوي“.
في رأي بعض الخبراء في الشأن المالي أن اسباب الإفلاس كثيرة، ومن بينها سياسة الدعم المتبعة منذ أمد بعيد، تضاف إليها إفتقار المسؤولين لرؤية إقتصادية شاملة، ولتخطيط غير عشوائي، ولسياسة إستباقية، وللإعتماد على إقتصاد إنتاجي بدلًا من التعويل على الإقتصاد الريعي. وهذا ما لم يحصل على رغم كل الدراسات التي كانت تتوقع الوصول سريعًا إلى النتائج التي وصلنا إليها، وذلك بسبب تلهّي المسؤولين بأمور أخرى.
في علم السياسة يُقال إن المسؤولية تفرض على كل من يريد التعاطي بالشأن العام إستباق الأزمات بسلسلة من الحلول قبل أن تقع الكارثة، وقبل الدخول في حلقة مفرغة، لأن المشاكل في هذه المرحلة تتوالد وتتكاثر، بحيث لا تعود المعالجات العادية تنفع في شيء، الأمر الذي يقود إلى فوضى غير مسبوقة، وإلى تخبّط غير سوي على كل المستويات.
وقد يكون ما نشهده من فراغ في الحياة السياسية إنعكاسًا لإنعدام الوضوح في الخيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وحتى الأمنية. وما الأزمة الحكومية التي تعيشها البلاد منذ ما يقارب الستة أشهر سوى دليل واضح على أن السياسة المتبعة حاليًا تفتقر لعوامل عدّة غير متوافرة لدى أهل السلطة، الذين لا يحسنون سوى تقاذف كرة مسؤولية الإنهيار الشامل، وإلقاء التهم جزافًا، من دون الأخذ في الإعتبار مفاعيل مثل هكذا تصرفات لا يمكن وصفها سوى بأنها “صبيانية”، إعتقادًا من البعض أنهم لا يزالون يلعبون بـ “الكّلة” في الساحات العامة.