“التدقيق الجنائي واجب الوجوب، ومدخل إلى أي إصلاح منشود. ونقطة البداية الطبيعية للتدقيق هي مصرف لبنان، على أن يشمل تباعا وزارات، وإدارات، وصناديق الدولة جميعها والتي شابها الهدر في الحقبة الماضية. وهذا أمر لا يختلف لبنانيان عليه.
في كلمته الاخيرة التي تطرق فيها فخامة الرئيس إلى التدقيق الجنائي، خرج بمجموعة حقائق هي موضع إجماع عند اللبنانيين: من مسؤولية السلطات المتعاقبة في توفير الغطاء السياسي للمصرف المركزي، ومسؤولية الأخير في مخالفة قانون النقد والتسليف، إلى مسؤولية المصارف باستخدام أموال المودعين تحقيقا للربح السريع، وصولا إلى انعدام الشفافية في حسابات المصرف المركزي، حيث وجهّت الشركة المولجة بأعمال التدقيق “الفاريز ومارسال” 133 سؤالا لمصرف لبنان، رفض الإجابة عن 73 سؤالا منها، كما أن توصيات الاجتماع الافتراضي الذي جمع ممثلين عن وزارة الماليّة ومصرف لبنان وشركة التدقيق الجنائي إضافة إلى مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي، بقيت غامضة ومن دون أفق.
فعلى رغم أن فخامة الرئيس ضمن هذه الحقائق والوقائع كلها، إلا أنه أسقط حقيقة واحدة تغيِّر مجرى الأمور بأكملها، وهي أنه في السنوات الخمس الأخيرة كان رئيسا للجمهورية، وبجانبه أكثريتان وزارية ونيابية. إذا كان للمواطن العادي الحق بأن يتوجه بكل التساؤلات التي وجهها فخامته، فهل يعقل أن يقتصر دور رئيس الجمهورية على توجيه الاسئلة؟ ولماذا أحجم أساسا عن تأييد مطلبنا للتدقيق الجنائي منذ العام 2017؟ ولماذا سمح أو غطى تهجم أقرب المقربين إليه على “القوات اللبنانية” بسبب مطالبتها بالتدقيق الجنائي؟ ولكن الآوان لم يفت حتى اللحظة، إنما وقد أصبح واضحا أن المصرف المركزي يتهرب من الإجابة، فلماذا لا يقدم الرئيس عون مع حكومة تصريف الأعمال التي تضمه وحلفاءه فقط لا غير على اتخاذ التدابير والإجراءات الإدارية والجزائية اللازمة لإلزام المصرف المركزي وإجباره على تقديم الإجابات المطلوبة؟ عدا عن ذلك، يبقى كل ما قيل من قبيل الشعبوية والدعاية السياسية ليس إلا، في الوقت الذي تنهار فيه البلاد يوما بعد يوم”.