خفّة ما بعدها خفّة. بهذا الوصف يمكن إدراج مضمون الكتاب الذي وجهه وزير الإقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة إلى المحقق العدلي القاضي طارق البيطار ويطلب فيه “اخراج الاعمال الحربية والارهابية من دائرة الاسباب التي أدت إلى انفجار مرفأ بيروت”.
وبعد موجة الغضب التي اثارها هذا الكتاب، والذي كشف مضمونه “لبنان24″ أتحفنا الوزير التكنوقراطي بعذر اقبح من ذنب، حين ابدى إستعداده لسحب الكتاب وإعادة صياغته طالما تم سوء تفسيره بما لا يتماشى مع الهدف المنشود منه”.
هذه هي نوعية بعض الوزراء في حكومة قيل يومها إنها تضم “خيرة من رجال الإختصاص”، وهذا النموذج يحاول رئيس الجمهورية اليوم تعويمه لتمرير ما يجب تمريره من قرارات إجرائية، وكأن السلطة التنفيذية قد أصبحت ورقة مساومة أو ضغط في ميادين المبارزة السياسية، في الوقت الذي نشهد فيه أهل السلطة يتفرّجون على سقوط الوطن، وهم مكتّوفو الأيدي.
فإذا كنتم يا سادة تبحثون، وأنتم أساسًا لا تبحثون عن أي شيء ينقذ الوطن، عن حكومة على شاكلة حكومة حسّان دياب، ومن بين أعضائها وزراء كالوزير نعمه، فنصيحة لوجه الله نسديها لكم مجانًا “خيطّوا بغير هالمسلّة”، لأن ما ينتظركم من مهمات يفرض عليكم التفكير ألف مرّة قبل الإقدام على أي خطوة، فالمشاكل كثيرة، والصعوبات أصعب بكثير من أي وقت مضى.
نقول هذا، مع إقتناعنا بأن لا أحد من المعنيين يسعى عن جدّ إلى تشكيل حكومة إلا وفق ما يتناسب مع مخططاته السياسية المستقبلية. من هنا نرى البعض يطالب بالثلث المعطل، فيما يصرّ البعض الآخر على حصوله على النصف زائدًا واحدًا.
لا تفتشوا عن الظهيرة في وضح النهار. فتجربة حكومة التكنوقراط سقطت مع حكومة حسان دياب، وهي التي “طارت” بعد فشلها في تحمّل مسؤولية نتائج إنفجار المرفأ، وهي جريمة موصوفة حاول الوزير نعمه بالأمس تسخيف مسبباتها الإجرامية، غير آبهٍ بمشاعر عوائل ضحايا جريمة العصر. فلو حصلت هذه الجريمة في اي بلد في العالم لكانت سقطت كل المنظومة الحاكمة من أعلى الهرم حتى أسفله. أمّا عندنا فلم تحرّك مثل هكذا جريمة ساكن أحد ولم تطل حتى ضمائرهم، وهم يبدون في سباق مع الزمن للتنصل من المسؤولية، كلّ على طريقته. أما ما فعله السيد راوول نعمه فلم يسبقه أحد عليه. فبدلًا من أن يهتمّ بلجم سعر خبز الفقير نراه ينساق إلى ما لم يخطر على بال أحد من قبل.
ماذ ستقول يا معالي الوزير لو ثبت من خلال التحقيقات أن ثمة عملًا تخريبيًا كان وراء هذه الجريمة، وماذا لو كان للعدو الإسرائيلي يد في كل ما حصل، وهي فرضية لم يلغها القضاء العدلي من حساباته، خصوصًا أنه لم يتبيّن حتى هذه اللحظة من هي الجهة التي كانت تقف وراء فضيحة تخزين مادة “الأمونيوم”، ومن كان يستفيد منها ولأي غاية.
كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير حاضرة في ذهن المحقق العدلي، الذي لم يسقط هذه الفرضية من بين جملة من الإحتمالات، في الوقت الذي نرى فيه وزيرًا برتبة “تكنوقراط” ينصّب نفسه محققًّا عدليًا ويشطب هذه الفرضية بشحطة قلم أو بذلة لسان. والدليل أنه إعتبر أن الرجوع عن الخطأ فضيلة.