شهد اللبنانيون في الايام الاخيرة مشهدا “سورياليا” بامتياز: نفط البحر الذي “اكتشفه العهد” يعوم على سطح المياه في الجنوب، ولا ينقص الا التوقيع على المرسوم المتعلق بتعديل الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية. فكانت شرارة المعركة الرئاسية حملات سياسية واعلامية في غير اتجاه.
اولا، و”كالعادة العونية” تم تدشين الحملة ضد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لانها” فرطت بالحدود اللبنانية وبالمال العام” مع ان وزراء التيار الوطني الحر وسواهم ممن تناولوا هذا الموضوع كانوا مشاركين في الحكومة الميقاتية يوم صدور مرسوم الترسيم، ولكن رهان ” اقوياء العهد” و”الملهِم الخفي” هو دائما على ” ضعف ذاكرة الناس“.
وكالعادة ايضا انبرت احدى المحطات التلفزيونية التي “تنتظر الرزقة على الكوع” الى الانخراط في”معركة المرسوم” مقتبسة تجربة محطة اخرى بتكبير حجم الاتهامات للاثارة . فعدا المغالطات السياسية والفنية التي اوردتها المحطة الاعلامية ، اختارت”السكوب” اللامع :”حكومات ميقاتي دفعت مليوني جنيه استرليني لشركة بريطانية لاعداد دراسة عن الحدود ثم رمتها في الجارور”. ولدى مواجهتها بالحقائق ان المبلغ الصحيح هو 10 الاف جنيه استرليني، صارت التهمة ” ولو قرش ليش ما نبحث عرض الشركة”، فجاء الرد القاطع والحاسم لتصمت الحملة ” الى حين طبعا” في انتظار الاتي من الايام.
بالتوازي كانت جبهة الحملات تستعر ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري، راعي “الاتفاق- الاطار”، ورئيس الحكومة حسان دياب ثم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية عبر وزير الاشغال، مع بعض التصويب على وزيرة الدفاع.
وفي النتيجة كلهم وقعوا مرسوم التعديل ولم يبق الا “سيد العهد القوي” الذي “اكتشف، بحسب بيان الرئاسة، ان “هذا القرار يحتاج إلى مجلس وزراء”، رغم ان هناك عشرات المراسيم التي حصلت على موافقات استثنائية واحيلت إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لتقر على سبيل التسوية بموافقة الجميع.
اما الحجة ” الرئاسية” بان هذا القرار وطني بامتياز فساقطة حكما لانه يمكن عقد اجتماع رئاسي ثلاثي لاعطاء مشروعية سياسية ووطنية لهذا القرار ،ثم يُحال إلى مجلس الوزراء على سبيل التسوية .
ولان الامور باتت مكشوفة ع الاخر ، بات واضحا ان الرئاسة تهيبت، عند ساعة الحسم، الموقف الدولي والوطني، فقررت الانتقال الى الخطة التالية وهي ادراج التوقيع في بازار تحسين الشروط لتحسين وضعية ” الخلف الذي سيلي السلف“.
وهكذا عادت الامور الى نقطة الصفر في انتظار “الملف التالي”، وملف ينطح ملف لتمرير الوقت حتى نهاية العهد، فيما الملفّ الأساسي المتعلِّق بتشكيل الحكومة ما زال معلقاً بحبال الهواء، والفراغ سيد الموقف، واللبنانيون ينتظرون رحمة الهية بعدما غاب ضمير الحكام والمسؤولين.
ولكن المفارقة وفق ما يقول زوار قصدوا بعبدا اخيرا ان ” الجنرال ميشال عون” يكرر امامهم مجريات أحداث العام 1989، وأنّه ليس من طينة الرجال الذين يُكسرون.
ولكن فات الزوار ان يستفسروا من فخامة الرئيس عن تقييمه لمجريات المرحلة الاخيرة التي اوصلت الى 13 تشرين الأول 1990 .