ألفّوا الحكومة أولًا… وبعدها إفعلوا ما شئتم

14 أبريل 2021
ألفّوا الحكومة أولًا… وبعدها إفعلوا ما شئتم


منذ أن رفض الرئيس المكّلف سعد الحريري فكرة اللقاء مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، نلاحظ أن البيانات التي تصدر عن تكتل “لبنان القوي” أسبوعيًا، ما عدا “فراطة” التصريحات اليومية، تصبّ في إتجاه تحميل الحريري مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة.

 

فالحريري أبلغ المعنيين أن من يشكّل الحكومة إثنان: الرئيس المكّلف بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، اللذان إذا إتفقا يوقعّان معًا مراسيم التشكيلة. وهذا ما يجب أن يفهمه النائب باسيل قبل غيره بعد الإتهامات التي توجه إليه لجهة تدّخله في كل شاردة وواردة تتعلق بالموقف الرئاسي الرسمي، إمّا مباشرة أو  بالراسطة.

 

وهذا ما حاول أن يوضحه الرئيس ميشال عون في حديثه إلى صحيفة “الأخبار”، عندما قال أنه هو “معلمو لجبران مش هوي معلمي”. وفي هذا التوضيح ما يشير إلى صحة ما يُعيّر به رئيس الجمهورية، وهذا ما يحاول أن يقوله الحريري دائمًا عندما يرفض أن يتفاوض في أمر التشكيلة الحكومية مع “رئيسين”، واحد في الظل، والآخر جالس على الكرسي الرئاسي.

 

وما قاله “تكتل “لبنان القوي” امس انه ” بعدما بذل التكتل كل مجهود للمساعدة في تشكيل حكومة بالرغم من عدم رغبته بالمشاركة بالحكومة لا يزال رئيس الحكومة المكلّف لا يحرك ساكناً فكلما طُرحت فكرة إيجابية يجهضها وكان آخرها صيغة 24 وزيراً ومن دون أي ثلث زائد واحد لأي طرف. وهذا دليل إضافي أنه لا يريد التشكيل الآن ويهرب الى الأمام ويخترع مواعيد ويفتعل مشاكل ويضرب توازنات ويختلق إشكالات“. 

 

هذا الموقف هو غيض من فيض مما يُقال داخل الجدران، وما يسرب للجيوش الالكترونية لشنّ هجماتها الممنهجة، وهذا دليل إلى ان الأمور “مش زابطة” بين الرجلين، أي سعد وجبران.

 

فبئس هذا الزمن إذا كان مصير البلد، بما فيه من مشاكل وتعقيدات وأزمات، مرهونًا بلقاء يُعقد بينهما. وللتذكير نرجع قليلًا إلى الوراء لنشير إلى أنه عندما كانا متفقين لم يحسبا حسابًا لأحد، وكانا في حالة وئام .

 

هل يُعقل أن يبقى وضع البلد معّلقًا طوال كل هذه الفترة على شماعة المزاجية والتعنت والمكابرة والمعاندة، في الوقت الذي يحتاج فيه هذا البلد إلى كل دقيقة، لأن كل لحظة تأخير تعيدنا سنوات إلى الوراء؟

 

لا يحتاج الوضع عندنا إلى الكثير من العبقرية حتى يفهم المرء ماذا يحدث على أرض الواقع. فما يحدث عندنا بسيط ومعقّد في آن. وتبقى المشكلة الرئيسية أن المسؤولين عندنا لم يعتادوا بعد على فكرة أنهم مسؤولون. المصيبة، أن هؤلاء ما زالوا يعتقدون أن الأيام الآتية ستكون أفضل من تلك التي مضت، مع أن لا شيء يوحي بإمكانية التغيير بعدما أصبح الإصلاح عنوانًا من غير مضمون، وبعدما أصبحت شعارات الماضي أسيرة الجدران الأربعة.

 

بئس هذا الزمن الذي نعيش فيه غرباء عن وطن لا يشبه أحلام أولادنا، الذين يئسوا من العيش في وطن لا مستقبل لهم فيه.

 

هل يُعقل ايضًا وأيضًا أن يكون المسببون في تعاستنا هم من يقترحون الحلول، وهم من ينظّرون في المثاليات والقيم الوطنية.

 

لقد أتعبتمونا. لم نعد قادرين على تحمّل المزيد من التفاهات والمزيد من الترهات، والمزيد من الأعذار والحجج. لم تعد مقولة “ما خلونا نشتغل” تقنعنا. والدليل أنهم هم لا يتركون الآخرين يشتغلون.

 

إنها مسرحية – مهزلة ما نعيشه هذه الأيام لكثرة ما نشهده من تناقضات على مستوى المسؤولية. لا يكفي أن لا افق لشباب لبنان في وطنهم الأمّ، وهم يُدفعون دفعًا نحو الهجرة القسرية، لأن لا أحد يترك وطنه بطيبة خاطره.

 

لا نطلب الكثير. نطلب فقط أن يتوافقوا على حكومة كما أراد لها الرئيس الفرنسي أن تكون، وأن يتركوا هذا الشعب المبتلي بمصيبة “الكورونا” يعيش بسلام وفضاوة البال، وألا يزيدوا على همّه همومًا أخرى. فالتحقيق الجنائي، إذا أُتيحت له فرص النجاح، يكون “عظمة على عظمة”. أمّا أن يقدّم المهمّ على الأهمّ فهذا ما لا يمكن التسليم به. شكّلوا الحكومة وبعدها إفعلوا ما شئتم.