بعد ثمانية أشهر من انفجار المرفأ، تتنافس مجموعة من الشركات الأجنبية ذات المصالح الوطنية المختلفة على مشروعات إعادة الإعمار.
وفي حديث مع “فرانس برس”، يقول المدير المؤقت للمرفأ، باسم القيسي، إن “أعين الجميع على الميناء، الروس والصينيون والأتراك والفرنسيون والآن الألمان”، مشيراً إلى أنّ كل هذه العروض حتى الآن عبارة عن إعلان نوايا فقط.
ووضعت شركتان ألمانيتان الخطة التي تطمح إلى إبعاد غالبية أنشطة المرفأ عن وسط المدينة، وتحويل الأجزاء الأكثر تضرراً فيه إلى منطقة سكنية.
وكشف وفد ألماني، بحضور السفير في بيروت، الجمعة، عن مشروع مذهل بقيمة 30 مليار دولار لإعادة بناء الميناء والمناطق المجاورة.
وتسعى الخطة الطموحة، التي وضعتها شركات من بينها شركة هامبورغ للاستشارات، إلى نقل الميناء شرقا، وإعادة تشكيل المنطقة المجاورة لتشمل الإسكان الاجتماعي، و”الحديقة المركزية” وحتى الشواطئ.
وخلال مؤتمر صحفي في بيروت، تحدث المسؤول في شركة “كوليي ألمانيا” هيرمان شنيل عن شقق عائلية بأسعار مقبولة و”مساحات خضراء وبنى تحتية جيدة”، وشواطئ وحديقة عامة.
ويرى القيمون على المشروع فيه “خطة لمدينة جديدة” على خطى دول أخرى شهدت تطويراً لمرافئها مثل فيينا وكايب تاون وبلباو.
وقال لارس غرينر من شركة “ميناء هامبورغ الاستشارية” إن الخطة تهدف إلى تطوير مرفأ بيروت ليكون “ذا مستوى عالمي رفيع”.
وتنهمك شركات عالمية أخرى بالتحضير لمشاريع شبيهة، فالقوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، لم تكن بعيدة عن السباق والتنافس حول إعادة بناء الميناء.
فعندما قام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون بزيارته الثانية إلى بيروت بعد الانفجار، وبالتحديد في أيلول الماضي، كان رئيس شركة الشحن الفرنسية العملاقة “سي إم إي – سي جي إم”، رودولف سعادة، لبناني المولد، ضمن وفده.
وكشف مدير الشركة الفرنسية الإقليمي، جو دقاق، لـ”فرانس برس” عن أنهم قدّموا خلال الرحلة للبنان، مشروعا من ثلاث مراحل متضمنا خطة متكاملة لإعادة بناء وتطوير وتوسيع وتحديث الموقع الساحلي ليصبح “ميناءا ذكيا”.
وقال إن المرحلتين الأوليتين، ستبلغ تكلفتهما ما بين 400 إلى 600 مليون دولار، مشيرا إلى أن الشركة ستمول النصف.
وحصلت الشركة الفرنسية بالفعل على امتياز لتشغيل محطة الحاويات في طرابلس، ثاني أكبر مدينة في لبنان، حتى عام 2041، وتأمل أن تفوز قريبا بمناقصة لتفريغ الحاويات في مرفأ بيروت وإعادة شحنها.
يأتي هذا فيما أبدت حوالي 50 شركة ومنظمة دولية اهتماما بالمشاركة.
وبعيدًا عن المصالح التجارية، يقول المحلل السياسي عماد سلامي إن التأثير الجيوسياسي يلعب دورا أيضا، مشيرا إلى أن الأمر مرتبط بمشاريع التنقيب المستمر عن الغاز في البحر المتوسط، والتوسع الروسي في المنطقة، والتعاون الاقتصادي المستقبلي بين إسرائيل والدول العربية في أعقاب العديد من اتفاقيات التطبيع.
وفي عام 2018، وقع لبنان عقده الأول للتنقيب عن النفط والغاز البحري في كتلتين مع تحالف يضم عمالقة الطاقة الفرنسية والإيطالية والروسية، توتال وإيني ونوفاتك، على التوالي.
وقد يجتذب مشروع إعادة بناء الميناء الصينيين “لتعزيز تحالفهم مع الإيرانيين”، الذين يسيطرون على سوريا ولبنان، بحسب ما يقول.
لكن المبعوث الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، حذر من فوز الصين بالصفقة.
مخاوف من تداعيات المشاريع
ويصر المجتمع الدولي على إجراء إصلاحات شاملة، بما في ذلك في الميناء، قبل ضخ المساعدات الخارجية لإنقاذ البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها منذ عقود.
وعلى الرغم من ذلك، قال القيسي إن سلطات المرفأ تعمل على خطة لإعادة بناء المنشأة وتجديدها، لتقديمها إلى أي حكومة جديدة.
وهناك عقبة أمام الاقتراح الألماني. إذ يخشى النشطاء اللبنانيون أن تكون خطته لإنشاء حديقة وشواطئ تكرارا لما شهده وسط بيروت بعد الحرب. فقالت منظمة المجتمع المدني “Nahnoo”: “لن نقبل سوليدير جديدة بلمسة أجنبية”.