عاد ملف ترسيم الحدود اللبنانية الى الواجهة اليوم على وقع المحادثات التي سيجريها وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل في بيروت التي يصلها غدا لبضعة أيام اذ ان استعجال السلطة السياسية اصدار مرسوم تعديل تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بدا على ارتباط مباشر في توقيته عشية وصول هيل. في وقت يبقى الملف الحكومي الملف الأبرز على الساحة، خصوصاً وان لا تدقيق ولا ترسيم من دون حكومة فاعلة على الأرض.
ترسيم الحدود
اذاً وسط التخبط والتعقيدات المتعاظمة في ملف تشكيل الحكومة الجديدة، سارت السلطة نحو تثبيت الترسيم الجديد للحدود البحرية الجنوبية، واتخذت خطوة جديدة امس في هذا الاتجاه. ومن المتوقع ان يتصاعد الدخان الأبيض اليوم من مرسوم “الترسيم” إثر توقيع رئيس الجمهورية عليه معدلاً وموافقاً عليه من رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزيري الدفاع والأشغال العامة والنقل، بعدما أنهى رئيس “تيار المردة” عملية الابتزاز العونية بإعطاء الضوء الأخضر للوزير ميشال نجار للتوقيع على المرسوم. وأوضحت مصادر مواكبة للملف لـ”نداء الوطن” أنّ “التيار الوطني الحر استخدم بشكل واضح هذا الملف كمادة جديدة في بازاره السياسي المفتوح في مواجهة الحلفاء والخصوم، وكان يُمنّي النفس بعدم توقيع نجار على المرسوم، لاستخدام ذلك بمثابة “ورقة تخوين وتفريط بالحقوق” في وجه فرنجية، الذي عاد ففضّل، بالتنسيق مع بري، رمي الكرة إلى الملعب العوني ووضعها في شباكه مباشرةً”.
في المقابل، علمت “النهار” ان اتجاها الى التريث في درس الخطوة عاد وظهر ليلا لئلا يترتب على لبنان محاذير سلبية للغاية في حال التسرع في توقيع المرسوم وإرساله في رسالة رسمية الى الأمم المتحدة اذ جرى تسريب صورة لرسالة أعدها رئيس الجمهورية ميشال عون مؤرخة في أيلول من العام الماضي بمرسوم التعديل بما يفهم منه ان العهد عدل عن إرسالها ومن ثم بدأت المزايدة أخيرا بتوقيع مرسوم جديد. ولذا برز الاتجاه الى التريث باعتبار ان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب لا يمكن ان يوافق على عقد جلسة لمجلس الوزراء لبت الامر وهو من صلاحيته، وقد استشيرت هيئة الاستشارات في وزارة العدل رأيها، فأكدت ان الملف يحتاج الى مجلس الوزراء.
وبالتوازي، رأت المصادر أنّ استعجال التواقيع على تعديل مرسوم الحدود البحرية، من قبل قوى 8 آذار بجناحيها الوزاري والرئاسي، إنما أتى “استباقاً لزيارة الموفد الأميركي ديفيد هيل إلى بيروت، في محاولة لوضعه أمام أمر واقع جديد يجب على الأميركيين الانطلاق منه في مسألة إعادة إحياء المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين، لكن هذه المرّة عبر بوابة قصر بعبدا وليس عين التينة”، لافتةً الانتباه في المقابل إلى أنّ زيارة هيل “ذات طابع استكشافي” عشية مغادرة منصبه في الخارجية الأميركية، ومن المستبعد أن ينتج عنها أي “حل أو حلحلة لموضوع التفاوض الحدودي بين لبنان وإسرائيل”.
وفي سياق متصل، علمت “اللواء” ان وزير الخارجية شربل وهبه سيقوم بمراسلة الامم المتحدة طالباً تعديل حدود لبنان البحرية مرفقة بالمرسوم الموقّع. ويلتقي وهبه اليوم السفير السوري علي عبد الكريم علي للبحث في موضوع حل الخلاف حول الحدود البحرية شمالاً بين لبنان وسوريا.
زيارة هيل والحكومة
هذا الملف سيكون أساسيا في محادثات هيل مع الرؤساء والمسؤولين علما ان المعطيات السباقة عن الموقف الأميركي تشير الى انه سيكون سلبيا للغاية وسيحذر لبنان من ان الاتجاه الأحادي سيعني نسف المفاوضات ونسف مشاريع التنقيب عن النفط والغاز. كما ان الملف الثاني الأساسي الذي سيطرح بين هيل والمسؤولين الرسميين والقادة السياسيين هو الملف الحكومي علما ان خبرة هيل الواسعة في الوضع اللبناني ستجعل زيارته الوداعية قبل انتهاء مهمته في منصبه تتسم بأهمية بارزة نظرا الى التوصيات والتوجهات التي سيتركها لمن سيخلفه في منصبه.
ولفتت المصادر إلى أنّ “التوقعات لا تخرح عن سياق أن يحمل هيل معه موقفاً أميركياً لا يختلف عن المواقف السابقة الداعية الى تشكيل حكومة تحظى بالمصداقية من الاخصائيين وتبدأ في تنفيذ البرنامج الاصلاحي المطلوب من المجتمع الدولي وصندوق النقد”، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أنّ الأنظار تتجه إلى إمكانية أن يلتقي هيل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، خصوصاً وأنّ الأخير يسعى عبر عدة قنوات إلى تأمين عقد مثل هذا اللقاء أسوةً باللقاء المطول بينهما في منزله في البياضة عام 2019، أقله عبر استدراجه للبحث في مستجدات ملف الترسيم الحدودي”، لافتةً الانتباه في المقابل إلى أنّ “لقاء البياضة عُقد قبل فرض عقوبات أميركية على باسيل، وبالتالي من المستبعد أن يقدم هيل على زيارة شخص مدرج على قوائم عقوبات بلاده”، وذكّرت في هذا الإطار بأنّه زار بيروت غداة انفجار المرفأ “على مدى 3 أيام من دون أن يدرج باسيل على جدول لقاءاته”.
وعلمت “اللواء” من مصادر دبلوماسية اميركية ان هيل سيصل مساء اليوم الثلاثاء، وسيصدر بياناً يوم الاربعاء عن السفارة الاميركية يحدد برنامج لقاءاته والمواضيع التي سيبحثها، وسيلتقي ايضا مجموعة من المجتمع المدني.ولخصت المصادر المواضيع التي سيطرحها بالقول: سيطرح كل شيء… كل شيء، وليس موضوع ترسيم الحدود فقط.
الحكومة
أما في الشأن الحكومي، فتتجه الأنظار الى الزيارة التي سيقوم بها غدا الرئيس المكلف سعد الحريري لموسكو تلبية لدعوة رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين في زيارة يجري خلالها مباحثات مع الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ميشوستين ووزير الخارجية سيرغي لافروف وعدد من المسؤولين.
في المقابل، لا تخفى أوساط بعبدا لـ”اللواء”، ان الأولوية المطلقة الآن هي للتدقيق الجنائي، إذ لا ضرورة لانتظار الحكومة العتيدة.. وأكدت هذه الأوسط، من دون التدقيق ووحدة المعايير، فمن العبث انتظار ولادة أي صيغة للحكومة.