ويعكس تصاعد اللهجة الفرنسية تحديداً تجاه المسؤولين اللبنانيين حجم السخط الدولي من تصرّفات أهل الحكم في لبنان ولعبة الشروط والشروط المضادة التي يمارسونها في عملية تشكيل الحكومة المُعطّلة منذ أكثر من سبعة أشهر نتيجة الخلاف القائم بين عون والحريري حول شكلها (تكنوسياسية أو اختصاصيين مستقلّين) وعدد الوزراء فيها.
ولعل الموقف الفرنسي الأعنف ضد القوى السياسية اللبنانية عبّر عنه قبل أيام وزير الخارجية جان إيف لودريان، أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، قائلا “إن بلاده ستتخذ “تدابير محددة بحق الذين فضّلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة البلاد، والأيام المقبلة ستكون مصيرية، وفي حال لم تتخذ هذه الأطراف قرارات ملائمة، سنقوم من جهتنا بواجبنا”.
فهل تتّجه فرنسا التي تُصنّف في خانة “الراعية” للبنان وتربطها علاقات تاريخية به، إلى استخدام “عصا” العقوبات ضد مسؤولين سياسيين؟
للإجابة على هذا السؤال، أوضحت مصادر من العاصمة الفرنسية لـ”العربية.نت” “أن هناك غضباً فرنسياً من تصرّفات القوى السياسية اللبنانية التي كما يبدو غير مُدركة لحجم الأزمة القائمة وتداعياتها على المستويات كافة، غير أن هذا “الغضب” لن يُترجم عقوبات على الطريقة الأميركية وإنما إجراءات على المستوى الأوروبي مدعومة أميركياً وعربياً، ووزير الخارجية المصري سامح شكري الذي عرّج على باريس قبل أن يزور بيروت، أبلغ المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم بأن “الغضب الأوروبي” تجاههم ليس مزحة”.
لكن المصادر استبعدت “أن تستخدم باريس سلاح العقوبات على الطريقة الأميركية للضغط على السياسيين اللبنانيين، فهذا الإجراء “معقّد” كثيراً ويحتاج تطبيقه إلى آلية خاصة تتضمّن أدلة مثبّتة بوثائق ومستندات، كما حصل مع تجميد أصول غير شرعية في فرنسا لبعض القادة الأفارقة ونائب الرئيس السوري السابق رفعت الأسد. فهذه الإجراءات تمّت بضغط من جمعيات أهلية في باريس واستغرقت سنوات من التحقيقات وتجميع الأدلة الدامغة”.
الاتحاد الأوروبي
من هنا، أشارت المصادر إلى “أن باريس تعمل في الكواليس على اتّخاذ إجراءات بحق مسؤولين لبنانيين على مستوى الاتحاد الأوروبي وليس على المستوى الوطني كمثل حظر السفر ومنع إعطاء تأشيرات دخول (شينغين) لسياسيين وأقاربهم وكل من تربطه علاقة بهم كما تجميد أصول لمسؤولين لبنانيين في فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي”.
كما أضافت “تصريح لودريان في مارس/آذار الماضي قبل حضوره اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، “بأن لبنان ينهار وعلى الاتحاد التحرك لإنقاذه”، دليل إلى أن باريس تُفضّل حلّ أزمة لبنان من منطلق “جماعي أوروبي” تكون مفاعيله أقوى ويُساهم بالدفع في مبادرتها الإنقاذية التي أطلقها الرئيس ماركون عقب زيارتَيه إلى بيروت بعد انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس/آب الماضي.
إلى ذلك، أكدت المصادر “أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لن يزور لبنان قبل تشكيل حكومة مطابقة لمواصفات المبادرة الفرنسية التي أطلقها من السفارة الفرنسية في بيروت وتنصّ على تشكيل حكومة مهمة من وزراء اختصاصيين. وهو كان قد أرجأ زيارته التي كانت مقررة لبيروت نهاية العام الماضي بسبب إصابته بفيروس كورونا من دون أن يُحدد موعداً جديداً لها”.
رسالة لبنانية من 100 شخصية
يأتي التصعيد الفرنسي بالتزامن مع رسالة وقعتها أكثر من 100 شخصية لبنانية من المجتمع المدني نُشرت في صحيفة لوموند الفرنسية، حضّت على إصدار تعليمات “من أجل تطبيق الآلية القانونية لتجميد الأصول المشكوك في مصدرها التي يملكها في فرنسا قادة سياسيون واقتصاديون لبنانيون”.
وفي السياق، قال نيكولا سركيس، الخبير الاقتصادي وهو ممن أعدّوا الرسالة، لـ”العربية.نت” ” بعثنا بالرسالة الى الإليزيه ووزارة الخارجية الثلاثاء الماضي، من أجل الدفع في اتّجاه محاسبة الفاسدين ومن سرقوا جنى عمر اللبنانيين سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات رسمية ومصرفية”.
دعاوى ضد فاسدين ومصارف
كما أعلن “أنهم في صدد تكليف محامين في باريس لرفع دعاوى ضد مسؤولين سياسيين متّهمين بالفساد وهدر المال العام ومصرفين كبيرين كان لهما الحصة الأكبر من الهندسات المالية التي نفّذها البنك المركزي أخيراً وساهمت في شكل كبير في هدر ودائع اللبنانيين وانهيار الليرة مقابل الدولار”.
ولفت سركيس إلى “أن الفرنسيين على تواصل مع نظرائهم الأوروبيين من أجل تنسيق “الإجراءات” التي ستُتخذ بحق مسؤولين لبنانيين اتهمهم ماكرون منذ فترة بارتكاب خيانة جماعية”.
يذكر أنه منذ العام 2019 يُعاني لبنان انهياراً اقتصادياً قاسياً تعمّق مع انفجار مرفأ بيروت الكارثي في أغسطس الماضي وأودى بحياة 200 شخص على الأقل وأصاب أكثر من 6500 آخرين وخلّف أضراراً جسيمة بالأملاك العامة والخاصة.