تشبه كثيرًا لبنانَ المنهار مشهديةُ القاضية غادة عون تُرابط في مكاتب مكتّف للصيرفة في منطقة عوكر، منذ الساعة الواحدة بعض ظهر أمس الجمعة ولغاية الساعة الـ8:45 مساءً بعد كفّ يدها عن الملف من قبل القضاء. ما حصل بالأمس أمام شاشات التلفزة من عرض متواصل على مدى ساعات، قد يكون سابقة لا مثيل لها، جعلت وزيرة العدل ماري كلود نجم تعترف بأنّ الأوضاع القضائية ضربت صورة القضاء وسمعته “وهو أمر مرفوض لأيّ سبب كان” ودعت على أثره رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس هيئة التفتيش القضائي والنائب العام التمييزي إلى اجتماع طارىء.
في فعلة عون اختلط الحابل القانوني بالنابل السياسي، في السياق يشير النائب والقاضي السابق جورج عقيص في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ البعض يرى في القاضية عون رمزًا في مكافحة الفساد، والبعض الآخر يراها شخصًا فاقدًا للإتزان، الذي هو من أهم صفات القاضي، وافتقاد هذه الصفة من شأنه أن يثير الشك بكلّ أعماله وقراراته.
أضاف عقيص “لا أريد الدخول بمجمل ملف القاضية عون، ولكن الخطوة التي قامت بها في مكاتب الصيرفة تفتقد إلى الإتزان وكذلك طريقة مخاطبة الناس. بكل الأحوال، المرجع الصالح الوحيد لحسم ما إذا كانت غادة عون محقّة أو مخطئة، مسيّسة أو غير مسيّسة، مرتكبة أو غير مرتكبة، هو مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي، بحيث أناط بهما القانون حقّ إعلان أهلية القاضية لتولي القضاء أو عدم أهليتها“.
عقيص لفت إلى المادة 95 من قانون التنظيم االقضائي “التي وُجدت لرعاية هكذا حالات، فإذا ما ثبُت أنّ القاضي فقد عنصرًا من عناصر سلوكياته ومناقبيته خلال مسيرته القضائية، أعطت هذه المادة لمجلس القضاء الأعلى، الحق بنزع الأهلية عنه، بأكثرية موصوفة ثمانية من عشرة، وبناءً على تقرير صادر عن التفتيش القضائي، وبالتالي لا يعود القاضي قادرًا على ممارسة العمل القضائي“.
أصبح لزامًا أن يُحسم ملف القاضية عون، لأنّه جرح نازف في الجسم القضائي، ويجب أن يندمل، يقول عقيص، والأمر على عاتق مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي “ليحسما هذا الجدل بصورة نهائية، وليعلنا للرأي العام حقيقة تجاوزات غادة عون في حال وُجدت في ملفها، أو أن يلغيا أيّ شك في أذهان الناس. يكفينا بتاريخنا وبتجاربنا مجانين تحوّلوا إلى أبطال لأنّنا لم نفضحهم بالشكل المناسب، لقد دفعنا أثمانًا كبيرة نتيجة ذلك. اليوم هناك فرصة ليستعيد القضاء زمام المبادرة وينتصر لهيبته، ولا أعتقد أن هيبة القضاء كانت بأحسن حالاتها في مكاتب مكتف، بل على العكس كانت على المحك، من هنا مجلس القضاء والتفتيش القضائي مدعوان لمصارحة الرأي العام في هذه اللحظة بالذات، حيث نحتاج قضاة نزيهين يهتمون بعملهم القضائي المجرّد والبعيد عن السياسة. فليكشفوا أفعال عون وأدائها، وما إذا كانت تُثبت جدارتها أو عدم جدارتها بتولي القضاء، وعلى مجلس القضاء الأعلى مستندًا إلى تقارير التفتيش القضائي والشكاوى بحقّها أن يصارح الناس، لنحسم مقولة “المنظومة تقف ضدها لأنها تكافح الفساد“.
عون توجهت إلى مكاتب مكتف عقب قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، كلّف بموجبه القاضي سامر ليشع بالجرائم المالية، وبالتالي لم يعد للقاضية عون صفة قضائية بعدما انتقل الملف إلى قاضٍ آخر. “القاضي ليشع هو أحد أهم قضاة لبنان بالعلم والكفاءة والنزاهة والشجاعة، وإذا كانت هذه الصفات حكرًا على قاض واحد يستطيع أن يقف بوجه الفساد والمافيات، فعلى القضاء السلام“.
في أداء القاضية عون انقسم اللبنانيون، ليس حيال هذا الملف فحسب بل بالنظر إلى أدائها بالمجمل، على وسائل التواصل الإجتماعي أشاد مناصرو وإعلاميو التيار الوطني الحر بفعلة القاضية عون ووجدوا أنّها رأس حربة في مكافحة الفساد، فيما اتهمها آخرون بتسييس الملفات وبالتحرّك باستنسابية وغب الطلب.
هذا الإنقسام مردّه إلى عون نفسها، برأي عقيص ” لا أحد أضر بغادة عون بقدر نفسها، عندما أعلنت انتسابها إلى جهة سياسية معينة إلى هذا الحد، ووضعت نفسها في خندق سياسي، نسفت كلّ الفضائل التي من الممكن أنها تتحلّى بها، لأنّها بذلك وضعت علامة أو مسحة من الشك حيال كل قراراتها ، من هنا نشدّد على استقلالية القاضي بما يمنع التدخل السياسي به ويمنعه من اعلان الولاء السياسي لهذه الجهة أو تلك، ولاء القاضي يجب أن يكون للدولة اللبنانية ولحقوق الناس فقط“.
ختم عقيص “كل ما يحصل وكل ما يمكن أن يحصل غدًا وبعد غد، هو نتيجة عدم حسم الموضوع، فليصدر قرار نهائي، تكون غادة عون بموجبه إمّا مرتكبة، مسيّسة أو غير موزونة، ما يستوجب عزلها لأنّها في هذه الحال لا تستطيع أن تتولى قضايا وتحكم بين الناس، أو أنّها ليست مرتكبة وليست مسيسة، عندها دعوها تقوم بما تريد. لدينا رأي في هذا الإطار ولكن نمتنع عن إعطائه قبل أن يعطي مجلس القضاء رأيه النهائي”.