وفي كل حديث يدلي به لبعض الوسائل الإعلامية، التي يتم انتقاؤها وفق “وحدة معايير” خاصة مزاجية وانتقائية ، نكتشف جوانب جديدة لدى رئيس البلاد، ومن بينها قصة “بستان جدّه”، وإصراره على المضي قدمًا وحتى النهاية في ملف “التدقيق الجنائي”، وآخر هذه الجوانب ما أدلى به لصحيفة “نداء الوطن”، حيث قال ردّا على الدعوات التي تطالبه بالاستقالة: “رئيس الجمهورية لا يستقيل من مسؤولياته، إذا اخطأتُ ليقولوا لي ما هي الأخطاء التي ارتكبتها أياً كان حجمها”. أنا مستمر في تحمل مسؤولياتي الدستورية، وأعرف أنني مهما فعلت سيواصلون مهاجمتي. هدفهم النيل مني ويتحججون بجبران باسيل ولكن الناس تعلم الحقيقة، ولو سكتنا عن مواجهة الفساد والمحاسبة فالناس ستحاسبنا وتلومنا، ونحن لن نسكت”.
من باب التذكير فقط، وردًّا على مطالبة فخامته بتحديد الأخطاء التي إرتكبها نورد بعضًا من نماذج ما آلت إليه أوضاع اللبنانيين في آخر أربع سنوات ونصف السنة من “العهد القوي”:
-في ملف أنفجار المرفأ، الذي ذهب فيه أكثر من مئتي شهيد وأكثر من 5000 مصاب وجريح، وتدمير نصف العاصمة، نسأل ببراءة: من المسؤول عن هذه الجريمة التي لا وصف لها، من أدخل هذه الكمية الخطرة من الأمونيوم، ولأي غرض؟ حتى الآن، وبعد مرور سبعة أشهر لم نحصل ولم يحصل أهالي الشهداء على أجوبة تشفي غليلهم، وهم لا يزالون ينتظرون أن تحدّد لهم مديرية المراسم في القصر الجمهوري موعدًا للقاء رئيس الجمهورية.
-في ملف محاربة الفساد، لا نسمع سوى شعارات، ولا نلمس سوى الإصرار على الذهاب في ملف التحقيق الجنائي إلى الآخر، من دون أن نرى فاسدًا واحدًا أو مرتشيًا أو متهربًا من دفع الضرائب، أو مهربًّا لأمواله إلى الخارج، وراء قضبان السجن.
– في ملف الدين العام، نسأل: كم كان حجم هذا الدين في 31 تشرين الأول من العام 2016، وكم بلغ اليوم؟
-في الملف القضائي، يكفي أن نسترجع شريط أحداث الـ 48ساعة الماضية لنكتشف ماذا فعلوا بالقضاء.
-في الملف الإقتصادي والمالي، أقرّت سلسلة الرتب والرواتب مع ما كان لهذا الإقرار من مفاعيل يعتقد كثيرون أنها كانت السبب المباشر الأول لتدهور الوضع المالي، بعدما تبّين أن حسابات الحقل لم تكن متطابقة مع حسابات البيدر.
-في ملف الكهرباء حدّث ولا حرج، إذ تستمر سياسة هدر المال العام من دون أن يرى اللبنانيون أنه وُضع حجر أساس واحد أقله لمعمل واحد. والحجّة دائمًا أنهم “ما خلونا نشتغل”.
-في ملف السياسة الخارجية، يُلاحظ أن السياسة التي إتبعت وبالأخص في خلال تولي الوزير السابق جبران باسيل مهام وزارة الخارجية أدّت إلى عزل لبنان عن محيطه الخارجي، والدليل أن أحدًا من الدول الصديقة والشقيقة ليس على إستعداد لمدّ يد المساعدة لإنتشاله من الهوة السحيقة التي يقبع فيها.
-في ملف الوضع الأمني، وبغض النظر عن عملية “فجر الجرود”، التي نفذّها الجيش اللبناني، لا يمكن إغفال ما يعانيه اللبنانيون جرّاء التفلت الأمني، وهذا ما إعترف به وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، وهذا ما تبيّنه الأرقام عن إرتفاع منسوب الجرائم اليومية في مختلف المناطق اللبنانية.
-في ملف إنخفاض القيمة الشرائية ليرة اللبنانية منذ اليوم الأول لتخلف لبنان عن سداد ديونه باليوروبوند، تستمر سياسة التخبط المالي بفعل إنعدام الرؤية المالية الواضحة، والمسؤولة عنه المنظومة الحاكمة، مع مواصلة إتباع سياسة “النعامة” ودفن الرؤوس في الرمال.
-في ملف يوميات إذلال اللبنانيين، سواء في المستشفيات أو أمام الصيدليات أو الأفران ومحطات البنزين، تكفي متابعة ما تتناقله وسائل التواصل الإجتماعي من تقاتل على علة حليب أو تنكة زيت.
هذا غيض من فيض ما جناه اللبنانيون من سوء طالع أهل الحكم. فمن عاش في الحرب لا يذكر أن الوضع كان أسوأ مما هو عليه اليوم.
فإذا كنا نعجز عن الحديث عن إنجازات فبالأحرى ألا يكون محور الاحاديث عن أخطاء لم ترتكب. فالذي يعمل لا بد من أن يخطىء، وجل من لا يخطىء. أما الذي لا يعمل فحتمًا هو لا يخطىء، وبالتالي لا ينجز.
وأخيرًا وليس أخرًا نقول إنه ليس بكثرة الأحاديث الصحافية نستطيع أن نغطي السموات بالقبوات. فالشمس طالعة والناس قاشعة.