كتبت “النهار”: اذا كان مجلس القضاء الأعلى آثر التريث الى اليوم للاستماع الى القاضية غادة عون قبل اتخاذ قراره النهائي في ظاهرة تمرد قضائي تؤكد الوقائع ان القضاء لم ير مثيلاً لها حتى إبان حقبات الحروب، فهذا التريث الذي لم يستستغه الحرصاء على مهابة القضاء ومؤسسته الام، لم يحجب ابداً الترددات البالغة الخطورة التي توالى ظهورها لليوم الرابع في سياق هذا التطور القضائي السلبي الذي قفز الى واجهة المشهد اللبناني.
أولا بدت صورة ”النزاع القضائي” لا التمرد الفردي للقاضية عون على قرار النائب العام التمييزي غسان عويدات كأنها احتلت المشهد بما تسبب بمزيد من تشويه لصورة السلطة التي يفترض ان تعالج أمورها الداخلية وفق النظام والأحكام والقوانين، اكثر من أي سلطة ومؤسسة أخرى، باعتبار انها القيمة الحارسة على تطبيق القوانين واحكام العدالة. ثانيا انزلق “النزاع القضائي” الى الشارع بصورة شديدة السلبية مع تحزب فريقين متظاهرين احدهما عوني الهوى والتنظيم يهتف لغادة عون، والآخر مستقبلي الهوى والتنظيم يهتف لغسان عويدات، وتحولت مستديرة قصر العدل ساحة عزل وفصل وتحديات بين الفريقين اللذين مهما تفننا في نفي الطابع الانقسامي عنهما، فان ايحاءات تطييف مسألة قضائية وإنزالها الى الشارع لا يمكن القفز فوق إيحاءاتها خصوصا متى بدا واضحا ان النزاع القضائي صار ترجمة إضافية للنزاع العوني – المستقبلي حول تأليف الحكومة الجديدة. ثالثا بدا العهد الذي يتحمل أولا وأخيرا مع تياره السياسي برئاسة النائب جبران باسيل تبعة استقواء صاحبة التمرد بمرجعيته كأنه بدأ يتلقى ترددات وتداعيات هذا التطور بانزلاق الأمور الى “بيت” العهد ذاته. فلم يكن تطوراً نافلاً ان يطلق احد اقرب الرموز من رئيس الجمهورية، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي تلك الدعوة المدوية لتسلم الجيش كامل السلطة بما فيها “ارسال رئيس الجمهورية الى بيته”.
الصورة التي تابعها اللبنانيون في تظاهرة قصر العدل امس بدت صادمة، فلم يحدث أن حصل اشتباك وهرج ومرج بين مناصري قاضيين أمام العدسات، كما حصل امس تزامناً مع انعقاد المجلس الأعلى للقضاء للنظر في قضية القاضية غادة عون. وفي الشكل، بدَت الدولة كأنها تتحلل فعلا في مشهد قصر العدل على عتبة القضاء المحتضر الذي انتهكت السياسة حرمته، علماً أن أي مراقب لتركيبة القضاء والطريقة التي يعيّن بها القضاة كان عليه توقع مشهد مماثل عند مفترق النزاعات السياسية الماضية في كسر كل الحدود، اذ إن اخضاع القضاء أيضا للمحاصصة، لا يمكن أن ينتج إلا مشهداً منفرا كالذي حصل امس.
المصدر:
النهار