لبنان بين الصراع الداخلي والمصالح الخارجية.. والحل بحكومة من هذا النوع

20 أبريل 2021
لبنان بين الصراع الداخلي والمصالح الخارجية.. والحل بحكومة من هذا النوع
يعيش لبنان أزمة عميقة لم يشهدها منذ تأسيسه, فكل القوى السياسية بمعزل عن حجم مشاركتها بالسلطة تحصد بدرجات مختلفة نتائج التصدّع حتى وصل بعضهم الى  أنه أصبح بعزلة, بل خارج المهمة والدور. فالمنظومة التي جاءت بعد الطائف هي في طور الإنهيار، مما يترك تداعيات قاسية على اللبنانيين الذين يدفعون أثماناَ بكل مستويات حياتهم، وهنالك أطراف سياسية يدفعون أكثر بكثير من مساهمتهم بالسلطة والأزمة.

 

كل القوى السياسة وبنسب مختلفة تعاني من حالة تراجع وفقدان للتوازن. الأحزاب السياسية التي أدارت الواقع العام تتقلص حاضنتها الإجتماعية كما تتقلص مشروعيتها الشعبية نتيجة الأزمة التي وصل إليها البلد, وهذا يؤدي إلى نشوء فراغ سياسي و ضعف في الدولة المركزية, و أصبحت القاعدة الإجتماعية للسلطة لا تمثل أكثر من نصف اللبنانيين ككتلة صلبة. فالإنقسام العامودي بالبلد, أضحى أن أقل من نصف اللبنانيين تابعين للسلطة وأكثر من النصف الآخر يعتبر أن هذه السلطة والإحزاب السياسة لا تمثلهم، وهذا يؤكد أن هنالك رأي عام جدّي ينتظر إدارة ترعاه, و هذا الفراغ الحاصل, سيأتي من يملؤه و خطورة الموضوع أن هناك أنظمة وقوى خارجية جاءت للإستثمار بهذا الفراغ  وهي لا تنظر إلى لبنان من مصلحته الوطنية إنما من مصالحها كدول. ونتيجة أن الحياة السياسية في لبنان سيئة وعقيمة و مضطربة ولا تقوم على أي معايير وطنية, وفاقدة لحسّ المسؤولية, يصبح أي رأي معارض للسلطة لمجرد دخوله على الحياة السياسية سيتأثر بموجبات الواقع السيء للتركيبة اللبنانية.

 

من الآن و حتى الإستحقاقات السياسية المقبلة, جزء كبير من الصراع السياسي سيتمحور حول من سينجح بأخذ الحصة الأكبر من هذا الفراغ عند كل  الطوائف اللبنانية, ومن  سيستفيد منه في الإنتخابات المقبلة, فهنالك فرق كبير من طائفة إلى أخرى, هناك طائفة لا يتجاوز الفراغ بها 30% وهناك طوائف أخرى يصل فيها الفراغ  إلى 70%, فالعنوان الرئيس من يملأ هذا الفراغ و كيف الإستفادة منه للمسار السياسي في لبنان.

كل القوى السياسة اللبنانية مأزومة والإنهيار الحاصل في البلد يزيد من حجم أزمتها, بغض النظر عن نسبة تورطها بعمق الأزمة اللبنانية.

إن طرح الحكومة الحيادية يفتقد إلى معايير النجاح, لأن عناصره غير محمية سياسيا وعرضة للإنهيار, والحكومة السياسية البحتة، ونتيجة ما آلت إليه الأمور, تعني كأننا نعيد إنتاج السلطة نفسها, التي تفتقد إلى معايير الدعم الخارجي نتيجة الإنقسام الكبير والعميق بين دول الإقليم, بل يتعداه إلى الدول المؤثرة على مستوى القرار في المنطقة. فالمخرج الوحيد و الممكن هي حكومة أخصائيين مطعمة بوزراء دولة سياسيين لحماية الحكومة و لكي توضع القيادات السياسة أمام مسؤولياتها لإنقاذ ما تبقى من الدولة ولإعادة الحياة السياسية و الإقتصادية والإجتماعية إلى دورتها الطبيعية, ولتتحمل القوى السياسية العملية الجراحية للإصلاحات المالية و الإقتصادية و القضائية وحتى السياسية, ولكي لا يبقى لبنان أسير سرعة الإنهيار وفقدان التوازن وضعف الدولة المركزي. وقد كان أول من بادر بطرح هكذا حكومة دول الرئيس نجيب مقياتي, ليس لمثالية الطرح إنما لواقعيته نتيجة الإنحدار والإنهيار وفقدان السيطرة على الواقع العام.

فالهامش ضيق لكل القوى السياسية ويفتقد لترف الوقت, ويفرض حسّ المسؤولية  على الجميع النزول والتواضع أمام ما يتعرض إليه لبنان و ما يعاني منه الشعب اللبناني بأكمله, فالتصلب و المكابرة لن ينفعا, لأنه ستأتي اللحظة التي يُفرض الحلّ على الجميع كنتيجة حتمية للحيوية السياسية للمفاوضات بالمنطقة والتي على أساسها ستنتج الحلول.  فبدل أن نكون أسيري الخارج الذي لا ينظر إلا إلى مصالحه ولا يأبه بكل تفاصيل الواقع اللبناني, علينا النظر إلى مصلحتنا الوطنية  لننقذ من يمكن إنقاذه.

فالتجارب السياسة تاريخيا عندما تأتي بالحلول, تفرض نفسها على الجميع و حجم المعارضة لها يكون ضيّق إذا لم يكن مستحيل, القوي وحده هو الذي يفرض شروطه و معادلته.