جاءت لحظة انفجار المرفأ، التي سارع كثيرون لاستغلالها، واقفين على أطلال بوابة الشرق، ومؤذنين بنهاية لبنان، استرشاداً بعبارة ماكرون الشهيرة «عقد سياسي جديد أو تغيير النظام». هنا استيقظت أحلام الماضي بوقائع الحاضر، وصار التعطيل مقدّمة لإفشال أية مبادرة لإعادة تعويم فكرة الدولة الواحدة لصالح طروحات الفدرالية بمسمياتها المختلفة.
في الحدّ الأدنى، قد تكون تلك الجبهات تكتيكاً تعشقه الطبقة الحاكمة في لبنان، وبشكل أخص الفريق العوني، والمتمثل في سياسة الهروب إلى الأمام من الاستحقاقات الأساسية، وفي سياقها لا ضيم في توتير الوضع السياسي ودفع الأمور باتجاه خيارات متطرّفة، بما في ذلك الفوضى، التي يُفترض – من وجهة النظر الشيطانية تلك – أن تجبر الخصوم على تقديم تنازلات، كما حدث مراراً وتكراراً، في اللحظة التي كانت تطلّ فيه الفوضى برأسها.
يُضاف إلى ما سبق، أنّ مثل هذه المناورات من شأنها أن تحرف الانظار عن المشكلة الفعلية التي يعاني منها لبنان، والمتمثلة في تعطيل عملية تشكيل الحكومة، وبالتالي قلب الأولويات رأساً على عقب، بحيث تصبح المعارك العبثية في مرتبة أكثر تقدّماً من التسوية الحكومية.
هذا في الحدّ الأدنى، أما في الحدّ الأقصى، فإنّ كل ما يجري يدفع إلى التفكير في احتمالات أكثر خطورة تتمثل في الدفع باتجاه فكرة استحالة التعايش الحالي بين المكونات السياسية، وهنا تكون الخيارات مفتوحة على أكثر من اتجاه جهنمي.