تبدأ القصة ولا تنتهي عند حدود. وهي قصة قديمة منذ أن تسّلم الرئيس ميشال عون مسؤوليات عامة عندما كان عقيدًا في الجيش اللبناني، وقد إسندت إليه في حينه قيادة اللواء الثامن، مرورًا بتسلمّه قيادة الجيش، ومن ثم رئاسة الحكومة العسكرية الإنتقالية، إلى مرحلة وجوده في منفاه في باريس وعودته إلى بيروت وترؤسه “التيار الوطني الحر”، وصولًا إلى رئاسة الجمهورية.
كثيرون في كل تلك الحقبات كانوا إلى جانبه وما لبثوا أن تركوه أو إنقلبوا عليه، وذلك يعود وفق ما يرويه أحد الذين إنشقوا عن “التيار الوطني”، وهم كانوا من مؤسسيه، إلى طبيعة شخصية الرئيس، الذي لا يقبل أن يجادله أحد، وهو الذي لا يزال يعتبر نفسه “الجنرال” المطاع دائمًا، وأن أومره لا تناقش بل تنفذ بحرفيتها. لذلك لم تدم علاقته باللواء عصام ابو جمرا، ولا باللواء نديم لطيف، ولا بكثيرين ممن كانت لهم معه أحلام مشتركة، وهم في أغلبيتهم من “رفاق الصف” “او “الحرس القديم”، وصولًا إلى رفاقه في “التيار”، ومن بينهم إبن أخيه نعيم، ومن بعده إبن شقيقته النائب الآن عون حين دعم الرئيس صهره النائب جبران باسيل في معركته لرئاسة “التيار” على حساب الحيادية، وصولًا إلى بناته والخلاف العميق بينه وبين صهره النائب العميد شامل روكز.
هذا على صعيد علاقات الرئيس بأقرب المقربين منه، بإستثناء النائب جبران باسيل، الذي يقول عنه إنه معلمه. أما على صعيد علاقته بحلفائه فنبدأ بالوزير السابق سليمان فرنجية والنائب الراحل ميشال المرّ، اللذين فضلّا الخروج من تكتل “الإصلاح والتغيير، قبل أن يصبح إسمه تكتل “لبنان القوي”، على أن يتلقيا التعليمات في الإجتماعات بدلًا من أن يكونا شريكين متساويين في الحقوق والواجبات.
وآخر العنقود نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، الذي كان همزة الوصل بين الرئيسين عون ونبيه بري، وكان مهندس المخارج السياسية التي كان من شأنها أن تحفظ ماء وجه العهد، فإذا به يطلب من قيادة الجيش عزل رئيس الجمهورية وإستلام مقاليد السلطة.
أمّا التحالفات السياسية القائمة على المصالح المشتركة بين كل من عون ورئيس تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري من جهة، وبين رئيس الجمهورية ورئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع من جهة ثانية، فحدّث ولا حرج، إذ تحّولت المصلحة المشتركة بين ليلة وضحاها إلى خلاف سياسي وصل في مراحل متقدمة إلى حدّ العداوة السياسية، وهذا ما تُرجم تعطيلًا لأي تشكيلة وزارية بعد الهجوم المركز من قبل “التيار الوطني الحر” على الحريري، وآخر هذه الظواهر ما قاله رئيس البلاد عندما وصف سفرات الرئيس المكّلف إلى الخارج بأنها لـ”شمّ الهوا”.
أمّا العلاقة بين بعبدا ومعراب فإن أقل ما يُقال فيها أنها، منذ سقوط إتفاق معراب بالضربة القاضية من قبل عون وفريقه السياسي وتياره، علاقة متوترة جدًّا، وهذا ما ينعكس على قواعد الفريقين المسيحيين الأقوى على الساحة.
فما هو هذا السرّ الذي يجعل من أحباب الأمس أعداء اليوم، خصوصًا أن رئيس الجمهورية يؤمن بمقولة أن لا عداء ولا صداقة مطلقة في السياسة، إذ يمكن وفق النظرية الميكيافيلية أن يكون صديق الأمس عدو اليوم، وعدو اليوم صديق الغد.
الذين يعرفون عن قرب الرئيس عون يقولون أن سرّ عدم إحتفاظه بأصدقائه فترة طويلة يعود في الأساس إلى حالة الشك المطلقة لديه تجاه أي شخص، قريبًا كان أم بعيدًا، فضلًا عن جنوحه إلى تفضيل الأشخاص الذين لا يناقشونه في خياراته ويطيّبون له، سواء أكان على صواب أو خطأ، وهذا ما ينطبق على صهره النائب جبران باسيل اولا و”فريق العمل الباسيلي” ثانيا.